أولا: الأساس القانوني – تعديلات جوهرية في إجراءات التأسيس
القانون المنظم للأحزاب السياسية في موريتانيا هو الأمر القانوني رقم 91-024 الصادر بتاريخ 25 يوليو 1991 وكان آخرها القانون رقم 2025-010 الذي جاء ليعزز الصرامة في شروط التأسيس ويُدخل إصلاحات جوهرية على الإجراءات والنصوص والوثائق المطلوبة.
ومن بين أهم المستجدات التي نص عليها القانون الجديد:
1. عقد الجمعية العامة التأسيسية
- يشارك فيها 150 عضوًا على الأقل بمعدل 10 أعضاء عن كل ولاية، على أن يكون 4 منهم على الأقل مقيمين دائمًا في الولاية.
- يجب تخصيص نسبة 20% للنساء من الأعضاء.
- يشترط أن يتمتع نصف الأعضاء المؤسسين على الأقل بالكفاءات والمؤهلات اللازمة لإعداد وتنفيذ البرنامج السياسي.
2. تعيين 15 مفوضا
تختار الجمعية التأسيسية خمسة عشر (15) عضوا، من ضمنهم خمس (5) نساء على الأقل، كمفوضين للقيام بإجراءات التأسيس وتوقيع الطلب.
3. جمع 5000 تزكية - إعلان رغبة انتساب من 5000 مواطن موريتاني مؤهلين انتخابيا.
يجب أن ينتمي المزكون حسب محل الميلاد إلى نصف ولايات الوطن على الأقل، وألا يقل عدد المنتسبين في كل ولاية عن 10% من العدد الإجمالي.
يجب أن تمثل النساء نسبة 20% على الأقل من إجمالي المنتسبين.
المواطنون المولودون في الخارج يُعتبرون بمثابة ولاية واحدة.
- إعداد الملف القانوني للتصريح ويشمل
- طلب موقع من 15 مفوضا.
- محاضر الجمعية التأسيسية (3 نسخ) مرفقة بلائحة الأعضاء المؤسسين الكاملة.
- اسم الحزب وشعاره ومقراته (المركزي، الجهوي، المحلي).
- لوائح الأعضاء المفوضين.
- 3 نسخ من النظام الأساسي.
- 3 نسخ من النظام الداخلي.
- مشروع الهيكل التنظيمي الوطني والجهوي والمحلي.
- مستخرجات عقود ميلاد الأعضاء المؤسسين والقادة.
- ملفات السوابق العدلية لهم.
- شهادات الجنسية.
5. إيداع التصريح لدى وزارة الداخلية
يتم الإيداع لدى المديرية العامة للصياغة والشؤون السياسية والحريات العامة مقابل وصل إيداع مؤقت.
6. الحصول على الترخيص
بعد التحقق من مطابقة الشروط، يمنح الترخيص النهائي عبر وصل صادر عن وزير الداخلية وفقًا للمادتين 13 و15 من القانون.
7. فتح المقرات الحزبية
يتوجب على الحزب أن يفتتح مقرات في نصف ولايات الوطن على الأقل خلال ستة أشهر من تاريخ منحه الترخيص.
8. الالتزامات بعد التأسيس - تقديم تقرير سنوي عن نشاط الحزب لوزارة الداخلية.
- الالتزام باحترام أحكام القانون، الدين الإسلامي، الوحدة الوطنية، والمبادئ الديمقراطية.
- عقد المؤتمرات الدورية وفق ما تنص عليه النصوص التأسيسية.
وبناءً على هذه التعديلات، فإن استناد حزب الرك إلى ملف مؤرخ سنة 2013 لا يُرتب أي أثر قانوني، لأنه لا يتطابق مع النظام الجديد الذي ألغى صراحة جميع الأوضاع السابقة غير المطابقة، مما يجعل الملف في حكم العدم.
ثانياً: البعد السوسيولوجي – مخاطر الخطاب الهوياتي
الجانب السوسيولوجي يكتسي أهمية خاصة عند تحليل بيان حزب الرك. البيان جاء بلغة مشحونة بالهوية، تضمنت تعابير مثل: الفصل العنصري، الحكامة العرقية-القبلية، إقصاء السود الموريتانيين، هذه المفردات تحمل دلالات استقطابية قد تؤدي إلى تحويل النقاش من ساحة سياسية إلى مواجهة إثنية.
من منظور علم الاجتماع السياسي، الشرعية الحزبية لا تقوم فقط على الاحتجاج والاعتراض، وإنما على: - الامتثال للقانون واحترام شروط التأسيس.
- تقديم برامج سياسية واقتصادية شاملة تعبر عن تطلعات عموم المواطنين.
- تجنب الخطاب الذي يُعيد إنتاج الانقسامات الاجتماعية والعرقية.
- إن اعتماد خطاب يقوم على ثنائية مقصٍ/مُقصى على أسس عرقية، يحدّ من قدرة الحزب على التموقع كفاعل وطني جامع، ويقزّمه إلى إطار احتجاجي ضيق.
ثالثاً: التعددية بين الحرية والتنظيم
الدستور الموريتاني يكفل حرية التعددية الحزبية، لكن هذه الحرية ليست مطلقة؛ إذ تقيّدها نصوص تنظيمية هدفها عقلنة المشهد السياسي وضمان جديّة الفاعلين. من هنا، فإن الإجراءات الرقمية التي فرضتها وزارة الداخلية ليست تراجعاً عن التعددية، بل تحديثاً لممارستها عبر: - ضمان شفافية الإيداع والمتابعة.
- منع الفوضى الحزبية عبر غربلة الكيانات غير الجادة.
- تعزيز ثقة المواطن في الأحزاب بوصفها مؤسسات مسؤولة لا مجرد هياكل شكلية.
خاتمة
إن إشكالية حزب الرك لا تتعلق بوجود إقصاء سياسي، بل بعدم احترامه للإجراءات القانونية المستحدثة، خاصة في ما يتعلق بالنصوص التأسيسية، قوائم الأعضاء، والوثائق المدنية. أما من الناحية السوسيولوجية، فإن اعتماده خطاباً يقوم على الهوية العرقية يهدد التماسك الاجتماعي ويضعف مصداقيته الوطنية.
إن تأسيس حزب سياسي في موريتانيا اليوم يتطلب شرطين أساسيين:
- الالتزام بالقانون والإجراءات المعدلة، بما في ذلك الرقمنة والوثائق المدنية والنصوص المؤسسة.
- تجاوز الخطاب الهوياتي الضيق نحو مشروع وطني جامع.
فقط عبر هذا المسار يمكن للأحزاب الجديدة أن تكون إضافة نوعية للحياة السياسية، وأن تساهم في ترسيخ الديمقراطية على أسس متينة.
من صفحة:jeddou isselmou