على رمال واد الناقة الذهبية، وتحت سمائها الصافية، لم تكن الحكايات تُروى بالشعر فقط، بل كانت تُنسج أيضاً بأقدام الشباب وعرق جبينهم وشغف قلوبهم. في عام 2006، وُلد حلم جديد، وتجسّد في عُرس كروي سنوي ينتظره الجميع، هو “كأس عمدة بلدية واد الناقة”. لم تكن مجرد بطولة، بل كانت نبضاً اجتماعياً يوحد الفرق، ويجمع الأحياء، ويخلق ذاكرة حية لأجيال من اللاعبين والمشجعين.
فجر البطولة وزعامة تاريخية: عصر “أفسي واد الناقة”:
مع انطلاقة الصافرة الأولى في تاريخ الكأس، بزغ نجم فريق حمل اسم المنطقة بفخر واعتزاز. كان “أفسي واد الناقة” هو الفارس الأول الذي تروّضت له الساحرة المستديرة، فرفع الكأس الغالية في نسختها الأولى عام 2006، ليعلن عن نفسه سيداً لمستطيل اللعبة. لم تكن تلك مجرد بداية، بل كانت تأكيداً على الهيمنة، حيث عاد الفريق في العام التالي 2007 ليحتفظ باللقب، ويُنصّب نفسه زعيماً تاريخياً للبطولة في مهدها.
لكن حلاوة كرة القدم تكمن في تقلباتها. ففي عام 2008، كُسر الاحتكار على يد فريق “الميمون” الذي خطف اللقب بجدارة، تلاه في عام 2009 فريق “الدرك الوطني” الذي فرض انضباطه التكتيكي على الجميع، ليرفع الكأس في مشهد مهيب.
ورغم هذه المنافسة، عاد العملاق “أفسي واد الناقة” ليُثبت أن الذهب لا يصدأ، فاسترجع لقبه في عام 2010 في عودة مظفرة. لكن الكأس أبت إلا أن تتنقل بين الأيادي، فذهبت عام 2011 إلى فريق “الربينة” العنيد، ثم سافرت عام 2012 إلى خزائن فريق “أكاس تيارت” الذي كتب اسمه في سجل الشرف.
وكأن التاريخ كان يشتاق لبطله الأول، فعاد “أفسي واد الناقة” ليحقق لقبه الرابع عام 2013، لكن “الربينة” لم تكن لترضى بدور المتفرج، فاستعادت اللقب عام 2014 في نسخة حبست الأنفاس. وفي عام 2015، ختم “أفسي واد الناقة” حقبته الذهبية بلقبه الخامس والأخير، ليتربع على عرش البطولة كأكثر المتوجين، وتُطوى صفحة من صفحات المجد التي لن ينساها تاريخ واد الناقة.
فصل جديد… وولادة نجوم على أرض الأبطال:
بعد هيمنة “أفسي واد الناقة” وتحديات “الربينة”، دخلت الكأس فصلاً جديداً، عصراً لم يعد فيه مكان للأسماء الكبيرة فقط، بل لكل من يملك الإرادة والعزيمة. بدأ هذا العصر بتتويج فريق “آوليكات” عام 2016، الذي فاجأ الجميع بأدائه القتالي. وفي عام 2017، حملت رياح البطولة الكأس إلى “بئر البركة”، ليُضاف اسم جديد إلى قائمة الذهب.
عصر “أتوال واد الناقة”… ثلاثية للتاريخ:
من رحم هذه المنافسة، وُلد فريق جديد كأنه جاء ليكتب التاريخ بمداد من نور. “أتوال واد الناقة”، أو نجوم واد الناقة، اسم على مسمى. في عام 2018، أضاءوا سماء البطولة بنجومهم الموهوبة وخطفوا اللقب الأول. ثم عادوا في عام 2019 ليؤكدوا أنهم ليسوا ظاهرة عابرة، بل مشروع بطل حقيقي، محققين اللقب الثاني على التوالي.
ثم حلّ عام 2020، عام الصمت الذي فرضته جائحة كورونا على العالم. توقف نبض الملاعب، وسكت هدير الجماهير، وأُلغيت البطولة في مشهد غير مسبوق، تاركةً في القلوب شوقاً وحنيناً لرائحة العشب وصوت الكرة.
لكن الشغف لا يموت. وعندما عادت الحياة إلى طبيعتها، عاد “أتوال واد الناقة” أكثر توهجاً، وكأن فترة التوقف زادتهم إصراراً. في عام 2021، حققوا اللقب الثالث ليكملوا ثلاثية تاريخية فريدة، ثم واصلوا المسير بثبات ليرفعوا الكأس الرابعة في عام 2022، مؤسسين سلالة حاكمة جديدة في عالم كرة القدم بالمنطقة.
والحكاية مستمرة…:
ظن البعض أن عصر النجوم سيطول، لكن كأس العمدة عودتنا دائماً على المفاجآت. ففي عام 2023، جاء الدور على فريق “العكبة” الذي كسر الهيمنة وتوّج نفسه بطلاً بعد أداء بطولي. وفي النسخة الأخيرة عام 2024، ابتسمت الكأس لفريق جديد هو “احسي البكرات”، الذي نقش اسمه للمرة الأولى في سجل الخالدين.
هكذا هي حكاية كأس عمدة واد الناقة؛ سجل من ذهب، وذاكرة حية تحتضن دموع الفرح ومرارة الهزيمة، قصص من الإصرار، ورمز للأخوة والتنافس الشريف. ومع كل عام، يبقى السؤال معلقاً في سماء المدينة، يتردد صداه مع كل ركلة للكرة: من سيكون البطل القادم الذي سيرفع الكأس الغالية؟
من صفحة كأس العمده الرياضية