في صحراء النعمة الممتدة، وبين جدران مدرسة القاسمية التي تشهد صراع النور مع الإهمال، كتبت سيدة من سيدات النضال التربوي سطرًا ناصعًا في كتاب المجد، بعدما نجح قسمها كاملًا في مسابقة دخول السنة الأولى إعدادية، دون دعم، ودون أدوات، ودون مقابلٍ يكافئ تعب الأيام والليالي.
هي واحدة من آلاف “مقدمي خدمات التعليم” الذين يُطلب منهم أن يكونوا معلمين ومديرين ومربين ومرشدين، بينما ترفض الحكومة حتى أن تعترف بأبسط حقوقهم: الترسيم، العلاوات، والكرامة. ومع ذلك، لم تتردد هذه السيدة، ولا أمثالها، في أن تحمل همّ التعليم على كتفيها، وتدخل أقسامًا لا تليق بالبشر، فحوّلتها إلى منارات للفهم، ومصانع للنجاح.
“عقدوية في القاسمية” لم تنتظر وسامًا رسميًا، ولا صورة في نشرة الأخبار، بل اعتبرت نجاح تلاميذها درعها الحقيقي، وصوت ذويهم لحظة الفرح وسامها الأرفع. لكن أي مفارقة هذه؟ كيف تصنع المجد لحكومة لا تعترف بك موظفًا؟ كيف تُحقق أهداف الدولة في محاربة الجهل، بينما تُبادلك الدولة بالنكران والصمت البارد؟
إن نجاح هذه المعلمة، ونجاحات مئات من زملائها في أرجاء الوطن، تكشف زيف الرواية الرسمية التي تشكك في كفاءة مقدمي خدمات التعليم. فهم لا يحتاجون إلى اختبارات لإثبات جدارتهم، بل إلى إنصاف يليق بما قدموه.
الحكومة اليوم أمام مفترق طريق: إما أن تكرّس الظلم، فتخسر أعمدة مدارسها وحرّاس بوابات المستقبل، أو أن تنصت جيدًا لحكايات مثل “عقدوية في القاسمية”، وتفهم أن من يصنع النجاح يستحق أن يُكرَّم، لا أن يُهمَّش.
ففي كل قسمٍ يشبه القاسمية، وفي كل قلب معلم لا يزال ينبض بالأمل رغم الإنهاك، توجد بذرة لوطنٍ أفضل. فهل نتركها تُدفن تحت رمال الجحود؟ أم نرويها بقرارات عادلة، ترد الاعتبار وتزرع العدالة في تراب المدرسة الموريتانية؟
الجواب ما زال معلقًا في عنق الحكومة… لكن صوت القاسمية صار أعلى من التجاهل.