الانقلاب على معاوية.. كواليس المرحلة الانتقالية…

بعد عدة محاولات انقلابية فاشلة على الرئيس معاوية، حاول الرجل تأمين نظامه من خلال إعادة هيكلة الانتشار العسكري داخل العاصمة، فتم نقل كتيبة الدبابات إلى مدينة ألاك، والإبقاء على الكتيبة التي يقودها ولد الفايدة قريبة من العاصمة كقوة إسناد، مع تركيز معظم القوة العسكرية بيد الحرس الرئاسي، بسبب الثقة المطلقة في قيادته نظرًا لدوره في التصدي لمحاولة انقلاب “فرسان التغيير”.

كانت هذه الإجراءات هي ما مهّد الطريق، في وقت لاحق، للانقلاب الناعم الذي حدث فيما بعد.

في أواخر فترة حكم الرئيس ولد الطايع، وحسب بعض ممن كانوا على صلة به، كان الرجل عصبيًا بشكل مفرط، ولم يكن يقبل النصح أو التوجيه من أيٍّ كان.

كان العقيد محمد ولد عبد العزيز يتولى قيادة كتيبة الحرس الرئاسي، وكانت زوجته، تكبر بنت أحمد، تعمل في تشريفات الرئاسة ضمن بروتوكول منت الطلبة.

في أحد الأيام، طُردت تكبر بنت أحمد من طرف منت الطلبة مع الكثير من “الكلام”، وحينما حاول ولد عبد العزيز إصلاح الأمر مع منت الطلبة، أسمعته كلامًا أقسى من الذي سمعته زوجته تكبر. فتوجه ولد عبد العزيز إلى معاوية ليشكو له، فأسمعه هو الآخر نفس الكلام. وهنا تبلورت فكرة الانقلاب في رأس الرجل.

كان الضغط على المؤسسات الأمنية والاستخباراتية كبيرًا، فلا تكاد تخلو فترة من اكتشاف عناصر داخل الجيش يتبعون لـ”فرسان التغيير”، حتى وصل الأمر إلى اكتشاف عنصر داخل الحرس الرئاسي قدّم يد المساعدة للانقلابيين سنة 2003، وظل عينهم في المكان دون أن يُكتشف.

قبل الانقلاب، شهدت البلاد حملة من الاعتقالات الواسعة شملت مختلف الطيف السياسي والاجتماعي، وكان الوضع محتقنًا مع دخول دول على الخط.

كان رجال “الدولة العميقة” يخشون حدوث انقلاب “من خارج الصندوق”، وهو ما قد تكون له نتائج لا تُحمد عقباها.

كان ولد عبد العزيز يخطط للانقلاب على معاوية أثناء زيارته للنعمة، وهو أمر، لو حدث، فلن يكون مضمون النتيجة، لأن الحامية العسكرية الموجودة هناك قد تقف في وجه الانقلاب، كما أن القوة الموجودة تحت سيطرة ولد الفايدة ستكون حجر عثرة ضد تلك المحاولة.

لكن الحظ خدم الرجل ورفاقه حينما سافر ولد الطايع فجأة إلى السعودية للتعزية في وفاة الملك فهد بن عبد العزيز. وهنا، يقول بعض العارفين بدهاليز تلك المرحلة إن ولد عبد العزيز لم يكن لديه خيار سوى الشروع في الانقلاب، لأن ولد الطايع كان ينوي إقالته مع بعض الضباط وتحويله إلى أقصى الشمال لمواجهة الجماعات المتطرفة هناك.

في تلك الليلة، طلب ولد عبد العزيز من مساعديه استدعاء كافة عناصر الحرس الرئاسي الموجودين خارج الدوام، ورفع درجة الاستنفار إلى الحالة القصوى، وهو إجراء طبيعي في ظل غياب الرئيس والخشية من أية محاولة أخرى.

في الصباح، اجتمع العقيد محمد ولد عبد العزيز مع مساعديه داخل مقر الكتيبة، وأفصح لهم، لأول مرة، عما يجول في خاطره منذ فترة، وهو أنه قرر الانقلاب على معاوية، وأنهم ليسوا مجبرين على المشاركة فيه، لكنهم لن يغادروا مقر الكتيبة حتى انتهاء الانقلاب.

كان رد المساعدين متوقعًا، وهو الموافقة على الأمر.

طلب من أحد مساعديه أن يذهب إلى رفيق دربه، قائد الاستخبارات العسكرية في تلك الفترة، وأن يطلب منه الحضور فورًا لأمر مهم.
وعندما وصل الرجل، أخبره عزيز بالأمر، وأنه شريك فيه، وسيبقى معه حتى انتهاء الانقلاب.

بقي الرجلان في مقر الكتيبة حتى العاشرة مساءً، ثم ركبا سيارة من نوع GX، ورافقهما أحد مساعدي عزيز، وسيارتان للحرس الرئاسي، على كل واحدة منهما مدفع من عيار 12.7 وبعض الجنود، إلى منزل قائد الأركان العربي ولد جدين.
وقبل الوصول إلى المنزل، تقدمت فقط سيارة GX التي بها قائد الحرس الرئاسي وقائد الاستخبارات العسكرية، وطلبا من العناصر الموجودين أمام منزل قائد الأركان استدعاءه لأمر مهم.

في ذلك الوقت، كان قائد الأركان في منزله رفقة بعض أصدقائه، وحينما أخبره عنصر الحراسة أن قائد الحرس الرئاسي ومدير الاستخبارات العسكرية بالباب، عرف أن هناك أمرًا مهمًا نظرًا لغياب الرئيس. لكنه، حينما خرج إليهم، فهم الموضوع، ليخاطب عزيز قائلًا:
“أعكبت؟ عدلت ذاك اللي فبالك؟”
(بمعنى: هل بدأت فعلًا؟ هل نفذت ما كان في بالك؟)

طلب عزيز من قائد الأركان أن يذهب معهم، فحملته سيارة تابعة للحرس الرئاسي إلى قصر المؤتمرات ليبقى هناك حتى السيطرة على الوضع.

توجهت المجموعة بعد ذلك إلى منزل ولد الفايدة، وفي الطريق، اتصل عزيز على المرحوم أعل ولد محمد فال وأخبره بالانقلاب، وطلب منه البقاء في منزله حتى يتصل به لاحقًا.
رابطت سيارتان تابعتان للحرس الرئاسي أمام منزل أعل، وأكملت المجموعة طريقها إلى منزل ولد الفايدة.

عند وصولهم إلى المنزل، سألوا أحد العناصر المسؤولين عن الحراسة إن كان ولد الفايدة موجودًا، فنفى لهم ذلك، لكنهم لاحظوا وجود سيارته أمام المنزل، فوبّخ عزيز العنصر، وطلب من عنصر آخر أن يستدعي ولد الفايدة، الذي رفض الذهاب إليهم وقرر المقاومة، لكنه تراجع عن ذلك بعد عدة مناشدات من المتواجدين في المنزل، ليخرج لهم ويتم اعتقاله ونقله إلى قصر المؤتمرات.

في تلك الأثناء، أجرت قيادة الانقلاب اتصالات بقادة المناطق العسكرية ووضعتهم في الصورة، ليُعربوا جميعًا عن تأييدهم للانقلاب، باستثناء قيادة الدرك، التي تمت السيطرة عليها في نفس الليلة، وتكفلت المنطقة السادسة بالسيطرة على كتيبة الدرك القادمة من واد الناقة.
بعد نجاح الانقلاب على معاوية، عُقد أول اجتماع في مقر قيادة الأركان بين قادة المناطق العسكرية وقائد الانقلاب، العقيد محمد ولد عبد العزيز.
كان الاجتماع بحضور العقيد أعل ولد محمد فال، الذي كان يرتدي بدلته العسكرية.

بدأ الاجتماع بحديث للعقيد محمد ولد عبد العزيز عن أسباب القيام بالانقلاب، وعن وضعية البلد الصعبة، وخاطبهم قائلًا:
“لقد قمنا بالانقلاب على معاوية للأسباب التي ذكرت لكم، وبالنسبة لي، أقترح أن يُشكَّل مجلس عسكري يقود مرحلة انتقالية، وأنا شخصيًا أقترح أن يتولى العقيد أعل ولد محمد فال رئاسة المجلس وقيادة المرحلة.”

في تلك المرحلة، كان لا بد من اختيار المرحوم أعل ولد محمد فال لإقناع القائد المساعد للأركان، العقيد المتقاعد عبد الرحمن ولد ببكر، والمرحوم العقيد سيدي محمد ولد الشيخ ولد العالم، ومحمد ولد مكت… قادة المناطق العسكرية الذين كانوا أكثر تفاهمًا مع أعل، وأقدم في الجيش.
وافق القادة على هذا المقترح بالإجماع لما كان يتمتع به المرحوم أعل من احترام وتقدير داخل صفوف المؤسسة العسكرية.

انتقل المرحوم أعل بعد الاجتماع إلى القصر الرئاسي، وهناك التقى بعائلة ولد الطايع وطمأنهم، وقال لزوجة معاوية إن كل ما تحتاجه في القصر هو تحت أمرها، لتُطوى بعد ذلك تلك الصفحة من التاريخ الموريتاني.

مع تشكيل المجلس العسكري وتصدّر العقيد أعل ولد محمد فال للمشهد محليًا ودوليًا، كانت هناك حالة من الاستقطاب الخفي بين قادة المجلس العسكري.
كان العقيد محمد ولد عبد العزيز يداوم بشكل يومي في القصر الرئاسي، وكانت بعض الأطراف تدفع لإخراجه من المشهد.
أدرك محمد ولد عبد العزيز الخطر مع ارتفاع شعبية الرئيس أعل ولد محمد فال، والدعم الدولي غير المسبوق له، ما يعني أن خططه المستقبلية في تولي السلطة باتت في خطر.

في منتصف الفترة الانتقالية، بدأ الحديث عن مقترح “البطاقة البيضاء”، ما يعني الإبقاء على رئاسة أعل ولد محمد فال للدولة عبر التصويت الشعبي.
فجأة، ودون سابق إنذار، قام ولد عبد العزيز بنقل مكتبه من القصر الرئاسي إلى مقر كتيبة الحرس الرئاسي، مع إعلان حالة الاستنفار القصوى في صفوف الحرس الرئاسي، واستُبدلت جميع عناصر الحرس في باحة القصر والمداخل المؤدية له.

ومع تقدم مقترح “مشروع البطاقة البيضاء” وزيادة المؤيدين له، اتصل العقيد محمد ولد عبد العزيز برئيس المجلس العسكري أعل ولد محمد فال، وطلب منه إنهاء هذا الجدل فورًا، والإعلان بشكل لا لبس فيه أن المرحلة الانتقالية ستنتهي في تاريخها المحدد، عبر المسار المُعلن عنه في البداية.

كان العقيد أعل ولد محمد فال يدرك جيدًا موازين القوى داخل المجلس العسكري، كما أنه كان يسعى لتجنب الصدام المباشر مع ابن عمه محمد ولد عبد العزيز، وهذا ما عجّل بحسم موضوع البطاقة البيضاء.

تسرّب هذا الصراع إلى طيف من النخبة السياسية الساعية لإعلان الولاء للأقوى، ليتحوّل مكتب العقيد محمد ولد عبد العزيز إلى محجٍّ للساسة الساعين لدعمه في الاستحقاقات القادمة وإعلان الولاء له.

ومع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، زار المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله أعل في مكتبه ضمن لقاءات كان يجريها مع مختلف أطياف المشهد السياسي والاجتماعي، وطلب من أعل أن يساعده في الترشح لمنصب سيناتور في مجلس الشيوخ.
لكن أعل ولد محمد فال اقترح على سيدي أن يترشح لمنصب الرئيس، وطلب منه أن يذهب إلى عزيز للحصول على الدعم.

اتصل بعد ذلك أعل ولد محمد فال بعزيز، وأخبره بما دار بينه وبين سيدي ولد الشيخ عبد الله، وأنه يرى أنه الشخص المناسب لتولي المنصب، وأنه اقترح عليه أن يذهب إليه للاتفاق.
وافق عزيز على الأمر، والتقى بسيدي ولد الشيخ عبد الله في اليوم الموالي داخل مقر كتيبة الحرس الرئاسي، ولعل أبرز ما تم الاتفاق عليه في هذا اللقاء هو أن يدعم المجلس العسكري ترشح سيدي ولد الشيخ عبد الله للرئاسة، مقابل أن يتولى سيدي صلاحياته كرئيس في المجالين السياسي والاقتصادي، ويتولى عزيز ورفاقه إدارة الشؤون الأمنية والعسكرية، تمهيدًا لإعادة هيكلة الجيش وتسليحه لمواجهة خطر الجماعات الإرهابية.

بعد هذا الاتفاق، أدرك الرئيس أعل ولد محمد فال أن البساط قد سُحب منه، وهو ما جعله يقوم بدعم المرشح المنافس…
في الصباح، استُدعي قادة المناطق العسكرية إلى قيادة الأركان، ليُعلن عن تشكيل المجلس العسكري، وانتهاء حقبة ولد الطايع…

Cheikh Melainine Teiss

شارك هذه المادة