تابعتُ مسلسل “الحكاية” بدقة وانتباه، لقطة لقطة.. مشهدًا مشهدًا.. نوتة نوتة.. لأنني أثق في الفريق الذي يقف خلفه، ولأن أحمد الحسن (Ahmed Hassen) أحد أفراده.
“ألاسان” الذي اختطفته الصحافة، ولكن الفنان بداخله متمسك بالحياة.
تابعتُه أيضًا لأنه جمعَ قلمَ الربيع (الربيع ادوم Raby Idoumou) ورؤية صدام (محمد المصطفى البان) وجنون بونَ (بون ولد أميده) وألحان سيدي (Sidi Kane) وصوت العبقري (Abghari Chighali)، وكان فرصة لمجانين شباب أبدعوا في الصورة والمونتاج (المشري حمام).
تابعتُه أيضًا لأن هنالكَ أحد وجوه الحكمة في إعلامنا اليومَ، قرر أن يستثمر فيه، المدير المحترم جدًا أباي ولد الطلبه (اباي الطلبة).
لذا أنا منحازٌ منذ البداية للمسلسل، ولكنه لم يخذلني، لأن الجهد المبذول فيه كبير جدًا، ومستوى الاحترافية فيه غير مسبوق محليًا، واشتغل عليه بحب وتفاني.
يمكنني القول إن الدراما الموريتانية دخلت عصر “ما بعد الحكاية”، وهو عصر سيكون مختلفًا عمّا قبله.
ولكن، رغم كل ذلك الانحياز، فلدي ما أقوله:
بالغَ المسلسل في محاولة إبهارنا بصريًا، حتى أصبح ذلك متكلفًا ومستفزًا، وتحولَ -في بعض الأحيان- إلى ما يشبه المقاطع الدعائية للمكتب الوطني للسياحة، كنتُ أتوقعُ بعض الذكاء في تمرير ذلك.
في الحلقات الأولى كانَ الزمن سينمائيًا، أو لنقلْ إنَّ تشكيلَ الصورة وتركيبها في مدينة أطار كانت تغلبُ عليه لمسةٌ سينمائية، حتى كادت الحلقات أن تكون أفلامًا قصيرة!
ربما يكون ذلك ميزة وربما لا، ولكن بما أن المخرج ومساعده قادمان من عوالم السينما فلا شك أنه كان مقصودًا.
السؤال: لماذا في أطار وحدها، هل تكاسلَ المخرجُ في نواكشوط ونواذيبو، أم أن أطار لها سحرها وسرها؟
بعض الحلقات أضعف من بعض، وتوزيع الأحداث لم يكن متوازنًا، حتى أن هنالك حلقات مرت دون أن تحملَ أي حدث قوي يضمن الإمساك بالمتلقي، كنتُ أحسبُ ذلك ضعفًا في القصة، حتى جاءت الحلقتان الأخيرتان؛ لتكونَ الصدمة كبيرة.
اكتشفتُ أن ثلثي أحداث المسلسل لم تصور بل سردتها الممثلة فيما يشبه الفيلم الوثائقي! نحنُ هُنا أمام مشكلة في السيناريو أو عجز في ميزانية الإنتاج.
كان ذلك مزعجًا جدًا ويشبه ظاهرة “التكفاط” التي درج عليها روائيون موريتانيون حين يقررون أن نهاية الرواية اقتربت، فلا يكلفون أنفسهم عناء التذاكي لحل ما نصبوه من عُقد، بل ينهون كلَّ شيء في ثلاث صفحات أو أربعة، وعليك أن تبتلع ذلك!
لو ترك تلخيص بقية الأحداث في الحلقتين الأخيرتين، ليكون موسمًا ثانيا من المسلسل يبث العام المقبل لكان ذلك أفضل.
أعتقدُ أن خاتمة المسلسل كانت أقرب إلى مسلسل إذاعي، أو حلقة بودكاست “مونولوج”، أو شيء آخر ما نعرف شنهُ، قدمت فيه جميع الأجوبة، على أسئلة كانت أجمل لو بقيت عالقة!
“عبد الفتاح” كان أجملَ وأكثرَ هيبة وأعمقَ في مخيلتي وأنا أحاولُ إكمالَ قصة ظلمه من شذرات الذاكرة المتناثرة خلال المسلسل، أما بعد الحلقة الأخيرة فأصبحتُ أشفق عليه، ليس بسبب جريمة دار النعيم التي أعيد تمثيلها بطريقة لا ترقى لمستوى بشاعة ما حدث، وإنما أشفقُ عليه من جريمة الربيع وصدام.. تبا لهما!
“أمل” شخصية نجح الكاتب والمخرج في رسمها، حتى في لحظات صمتها الكثيرة كانت ملامحها تحكي كل شيء، وتلخص ألم ومعاناة كثير من نساء موريتانيا.
ولكنها حين بدأت تتكلم لتحكي.. كانت أضعف لأن صمتَها أقوى!
أخيرًا.. لا تفوتكم دقيقتان من الموسيقى في نهاية الحلقة الأخيرة.. أسكويْ
عيدكم مبارك
الشيخ محمد حرمه