فخامة الرئيس محمد ولد الغزواني، عندما عنونت مأموريتك الثانية في الحملة الرئاسية الماضية: بمأمورية الشباب، استبشرت غالبية الشباب بذلك، و ظنوا سراب الوعود تدفقا لأحلامهم المبعثرة على غيمات المجهول، و تسارعت ضربات آمالهم في أقفاص يأسهم المزمن، ثم مع الوقت جاءتهم سكرة الخيبة، تصرعهم جماعات و فرادى، وذلك عندما قررتَ بالفعل هذه المرة إرساء دعائم حكمك بالسوط و السلاسل، والقمع و المنع، حينها توقف آخر نبض أمل للشباب في حكمك و نهجك، وعم الظلام نفق التوقع..وسقطت آخر قلاع التطلع..
فخامة الرئيس، عندما أدرت ملفات السياسة بالبلد بطريقة الجزرة و العصا، مسميا الإشادة بتسييرك إجماعا، و نقد مكامن الخلل عصيانا و عقوقا وطنيا، حددت للشباب طريقا يتيما “لروما” بعد أن كانت كل الطرق تؤدي إليها: فإما الذوبان في مجرى النهج والحصول على صفة مواطن صالح ونيل شرف الإشراك في الوطن، أو الصهر في “ثور برونزي”: قانون الرموز و التصنيف على لوائح تهديد السلم الأهلي و الاتهام ببث خطابات الكراهية والتحريض على الفتنة..
فخامة الرئيس لا جدوى من إنشاء اللجان و فتح التحقيقات بعد كل فشل و أمام كل حصيلة صفرية، إن من بعمرك المتقدمأطال الله عمرك وخبرتك العسكرية الكبيرة، وثقافتك العالية،وتربيتك النبيلة، وتجربتك الثرية، لا يمكن أن يغيب عنه المسار الصحيح للتعامل مع أزمات كبيرة كتغييب الشباب، و تهميش الكفاءات، و ظلم الأحرار و استهدافهم، وتعطيل القوانين، وخرق الدستور، والعجز عن الإنجاز رغم تبخر آلاف المليارات من ميزانية الدولة، لذلك لن نبحث لك عن أعذار سخيفة كالتي تسوق أغلبيتك، من قبيل : أنك غائب أو مغيب، و أنك مختطف أو تقدم لك معلومات وتقارير كاذبة عن الواقع، فلا يعقل أنك لا تسمع صراخ الأحرار و لا تطلع على كتاباتهم و لا تستطيع التفريق بين الحقيقة و الزيف، والحق والباطل، و الإصلاح و الفساد!
فخامة الرئيس ما قدمتَ في مجال إدارة الملف السياسي للبلد ليس انفتاحا، و ما قدمتَ للشباب في مأموريته ليس إشراكا، و ما سيرتَ به الموارد ليس محاربة للفساد و لا إصلاحا، و ما تقابل به كل من ينتقد تسييرك أو يعارض نظامك ليس إنصافا و لا ديمقراطية و لا محافظة على النسيج الاجتماعي للشعب! تماما كالطريقة التي نظمت بها لقاء الشباب، والتي لم تكن شفافة و لا عادلة و لا منصفة، و إن كان ما تقدم ليس صحيحا، فلماذا لم تتسع رحابة صدرك لآراء المخالفين؟ ولم تشمل إرادتك رص الصفوف الاستماع لأصوات المنتقدين؟ و لم يأخذك حصان الحلم إلى جموع أبناء الشعب من اللاجئين؟ و لم تسرج فرس الغضب للإغارة على المفسدين؟
فخامة الرئيس إن تنظيم لقاء للشباب لا يشارك فيه الشباب المتقد المعارض، كشباب حركة إيرا و شباب أنصار الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وشباب حركة كفانا، والشباب المتبني لقضايا الشباب خارج النظم السياسية، ولا تتاح فيه الفرصة لعزف وجع الواقع في مداخلات عفوية غير مفلترة و لا مختارة، هو مسرحية لا تليق بمقامك و تزيد صورتك شحوبا عند شعبك، و توسع الهوة بينك و غالبية الشباب المرمي على قارعة اللجوء داخل وخارج وطنه.. والذي لم يعد يثق في تعهدات جديدة .
فخامة الرئيس محمد ولد الغزواني إن مواصلتك تنفيذ سياسات الحكم بالحديد و النار، جعلتنا كشباب نشعر بالغربة داخل وطننا، و الرغبة في الهرب من جحيمه، واعتبار تخوم المجهول مهما كانت مخاطره أرحم بنا من كف الظلم التي يصفعنا بها نظامك عند رفضنا تقبيل سوط الخضوع والتنازل عن الحقوق ..
فخامة الرئيس لم نعد نجد في هذا الوطن مكانا و لا فرصة للعيش بكرامة، فأصبحنا أشبه باللاجئين، أو أسرى الحروب، بلا حقوق و لا أحلام و لا آمال.. فخامة الرئيس عندما تمضي فترة كافية لنمو الشوق في قلبك لمكان حفظت وجه خريطته، ونحتت ملامح تاريخه في ذاكرتك، ثم تمنعك جراح ظلمه لك من الاشتياق له، فذلك المكان ليس موطنك الحقيقي..!
وعندما تخرج من أرض مهما كانت فساحتها وترغمك غصة لفظها لك، على تنفس الصعداء فور عبورك آخر خط حدودي لها مع أي حيز يحدها، فلم تكن حتما تلك المساحة يوما شراعا لطمأنينتك.. ولم تكن بالتالي أرضك الموعودة!
وعندما تشعر في مهد آمالك و حضن أحلامك، وعمق انتمائك، بحرقة اليأس تجتاح صدرك، بدل فراشات الحنين، و عذوبة السكينة، فأنت مجرد لاجئ على بسيطة الخذلان، صدر ضدك حكم بالنفي الأبدي..ولا وطن لك مهما بالغت في تلوين قشورك بصبغة الادعاء و التمني..
هكذا يشعر الشاب الموريتاني اليوم بمرارة الواقع.. عند استعادة شريط البؤس الذي عاش فصوله و الظلم الذي تشرب كثافته، والمتوقع الذي يرى ظلاله تخيم في نهاية النفق على قادم مصيره.. مهاجر عن /أو لاجيء في وطن يكره انبعاث الوطنية في صدور المخلصين، و يطفئ الإيمان في قلوب الصادقين، و يجهض الآمال من رؤى الحالمين، وطن تشعر فيه بأنفاس الانتقام، تلاحقك كالسهام.. وطن يسحب منك أسباب الإلهام..وطن يشترط عليك صناعة الأصنام.. تقديس الحكام..
وطن يقلم أظافر الجادين، و ينقض على أجنحة الناجحين..هو مكان ولدت به و وعشقتَ رمله وغباره و ناره و برده و حره لكنك حرمت سلامه و أمنه و إنصافه فبقيت فيه على الهامش أو خارجه على قارعة الحرمان، أنت في كل ظروفك وحالاته رقم على لوائح اللاجئين!!
وفي الختام تقبلوا فخامة الرئيس كامل احترامي لشخصكم الكريم، والتعبير عن خيبتي بحصيلة فترة حكمكم، ويأسي من تغييركم طريقة تسييركم للبلد.
—
المواطنة لعزيزة منت البرناوي.