جمعني بيتٌ كريم بأخي وصديقي “الشاعر الفخر”…
على جديته ومع كونه قامة شعرية سامقة، فمحمد ولد الطالب عفوي، بسيط، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ويعشق جلسات الإمتاع والمؤانسة..
لستُ “أديبًا” لأنقل لكم تفصيل سهرتنا الباذخة الماتعة، لكنه هو نفسه الشاعر الذي التقيته لأول مرة قبل عقدين من الزمن.. حتى شكله وابتسامته الدائمة ..
شكوتُ له اشتعال رأسي شيباً، فخفف علي قائلا” الشيب غالبًا من تأثيرات العطر”.. فقلت له: يبدو ان تأثيرات العطر تتجاوز شعر الرأس إلى باقي الجسم.. “ضحك وكسرنا بتلك الضحكة غير البريئة حاجزًا كان يفصل بيننا وجلسائنا ..
حكى ولد الطالب قصة أول لقاء جمعني معه، وتذكرتُ الكثير من ذلك اللقاء.. تذكرت أنني قلتُ له إنه، بشاعريّته وتمكنه من ناصية اللغة، يستحيل أن يكون من غير “هذا المسمى” وبررتُ له الأمر بأنه “مبدل افلحوالَ” يوم مولده بطفل من “هذا المسمى”..
حدثني البارحة بأنّه كثيرا ما قص القصة على بعض اصدقائه من “هذا المسمى” وهم كثر.
ولد الطالب الذي أعادَ الهيبة لشعر بلاد المليون شاعر، وكتب اسم موريتانيا بالخط العريض وبأحرف من الذهب والحرير في خريطة الشعر العربي، هاهوّ اليوم يلج باب السرد من خلال قصة يعتزم نشرها في القريب العاجل، وقد نصحته بالعدول عنها، لجراءة مضمونها، وبعدها الفلسفي السوسيولوجي، لكنه مصرٌ على خوض غمار التجربة التي اعتقد انها ستكون أكثر من ناجحة، إذا استطاعت القصة عبور التابوهات الاجتماعية بسلام.
حاولتُ أن أقنعه بأن أجمل قصيدة مرتجلة في تاريخ الأدب العربي هي مجاراته لأبي فراس الحمداني، ولكنه اعتبر الامر إطراء وما زلت مصرًا على موقفي، ولا شك انكم متفقون معي في صعوبة ارتجال نص شعري بهذه السلاسة وهذا الخيال وهذا الجمال:
رهين قيود الروم يلهو بك الغدر
ولا فدية ترجى ولا صولة بكر
خلعت على الأوجاع ناشئة الدجى
و أجهشت بالأشعار فانتشر العطر
وقد علمت حمدان أنك سيفها
و فارسهاالمغوار والشاعر الفخر
سددت عيون الشمس حتى تغيبت
فقامتك الفرعاء من دونها ستر
و أفردت في زنزانة لا مؤازرا
ومن أين تأتيك المواساة والأزر
ولم تقف الجدران بينك والرؤى
نديماك فيها كبرياؤك والشعر
ومن كل فج ترقب الفجر طالعا
وعن نظرات القدس قد حجب الفجر
ودجلة ترنو للفرات كبيئة
قد اقتسما حزنا وماؤهما مر
وتلك مياه النيل ساموا مساقها
فلم ينج لابحر لدينا ولا نهر
أباالفخر لا أسر شربت به النوى
ولكن أسر الحلم فينا هو الأسر
لم يخل مجلسنا من قصص طريفة، ليست كلها للنشر، ولكن من أكثرها غرابة قصة أحد الرعاة الموريتانيين في الإمارات..
تقول القصة إن أحد الرعاة يستأذن من جماعته للالتحاق بجمهور أمير الشعراء، في الليالي التي سيلقي فيها ولد الطالب على خشبة مسرح المسابقة في فندق شاطئ الراحة، وما إن يبدأ شاعرنا الإلقاء حتى يقف الراعي الموريتاني بحماسة لا تخطؤها العين،ملوحًا بالعلم الوطني تحية لولد الطالب..
وفي السهرة قبل الأخيرة من المسابقة، حضر الراعي طبعًا وقد ازدادت حماسته مع تقدم شاعرنا في المسابقة..
دخل وهدأت الهتافات والزغاريد مع بداية الإلقاء..رفع ولد الطالب صوته الجهوري قائلًا: أنا سارق النارِ
صاح الراعي: أراهو افطحنا يللي لا إطاطبه ؤلا إطول اگطاطيه
ويكرر ولد الطالب مطلع القصيدة: أنا سارق النار
فيقول الراعي: مولانا ريحنا منو.. نعرف آنَ عن يمّه ما اتخللي العيل..