لا أعتقد شخصيا، أن من مصلحة المسؤولين في خمسية الإصلاح التهافت على ذكر عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز بسوء؛ وخاصة الوزراء والنواب والمتكلمين، أحرى أن يذموا الرئيس السابق على رؤوس الأشهاد ويفتروا عليه؛ وذلك لعدة أسباب من بينها:
– أنهم جميعا، دون استثناء يذكر، كانوا شركاء وفاعلين في العشرية، وسعوا – كلهم باسمه وجميل وسمه- إلى حمل الرجل على الحِنْث وخرق الدستور والترشح لمأمورية ثالثة!
– أنهم جميعا، دون استثناء يذكر، كانوا بالأمس القريب يسبحون بحمد الرجل ويمدحون عشريته مدحا مرئيا ومسموعا ومكتوبا وموثقا! وبغض النظر عن دواعي نكوصهم اليوم، فإن المثل الحساني يقول: “شين اعل فم فات اشكر إعيب”! وقد أصبح ذم العشرية من طرف هؤلاء مرادفا عند الناس لصفة مذمومة لا يحبها الله ورسوله! وللمجتمع الموريتاني ذاكرة لا تنسى على عكس ما “يخيل” إلى البعض!
– أن للرجل خطوط دفاع قوية تتمثل في سيرته الحسنة، وإنجازاته العملاقة الشاهدة، وشعبيته الواسعة، ودفاعه القانوني المكين.. رغم ما نعيشه من تعطيل للقانون و”استغناء عنه”!
ومهما يكن الأمر، فإن ما ذهب إليه معالي وزير الثقافة الناطق باسم الحكومة، في تعليقه يوم الأربعاء الماضي على رسالة موكلنا الرئيس محمد ولد عبد العزيز حول قانون الرموز، قد تضمن أخطاء عديدة نذكر منها على سبيل المثال:
1. وقوعه في تناقض غريب، تمثل في نفيه نسبة الرسالة إلى الرئيس السابق، وإتيانه على ذلك بالأدلة والبراهين التي “خيلت إليه”. ومع ذلك تحامل على من نفى بالأدلة القاطعة علاقته بالموضوع أصلا.
2. مكابرته في محسوس انعقد عليه الإجماع؛ وهو أن لا مجال للمقارنة بين صيانة الحريات في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وما نعيشه اليوم من قهر وظلم وقمع، في منتصف الخمسية في كنف قانون الرموز، والاستغناء عن القانون وتجاوزه الذي ذكره إسقاطا معالي الوزير!
3. ادعاؤه بالباطل أن البرلمان والقضاء وجها تهما ثقيلة للرئيس محمد ولد عبد العزيز؛ إذ يستحيل أن يغيب عن ذهن معالي الوزير أن البرلمان لا يتهم إلا رئيس جمهورية يجلس على كرسي السلطة، حسب نص المادة 93 من الدستور، وأنه لا يستطيع أن يتهمه بغير تهمة واحدة هي تهمة الخيانة العظمى، وأن ذلك يتم عن طريق آلية التصويت بالأغلبية المطلقة. الشيء الذي لم يحدث أبدا خلال العشرية. وبعدها لا سلطان للبرلمان على رئيس انتهت ولايته.. ولا يعذر أحد بجهل القانون! أما إذا كان معالي الوزير يعني بالبرلمان وسلطة البرلمان لجنة التحقيق البرلمانية الفضولية التي لا محل لها في الدستور، فإن تلك اللجنة على علاتها، ولعلمه الخاص، لم توجه أي تهمة مهما كان نوعها إلى الرئيس محمد ولد عبد العزيز.. وسبب ذلك أنها ببساطة لم تكن مجنونة!
يبقى قول معالي الوزير إن القضاء قد وجه تهما ثقيلة للرئيس محمد ولد عبد العزيز. وهنا يجدر التذكير بأمرين:
أولا: أنه يمنع على القضاء إطلاقا أن يتهم الرئيس السابق تهما تتعلق بفترة رئاسته، بقوة ترتيبات الفقرة الأولى من المادة 93 من الدستور. ونصها ” لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية”.
وثانيا: أن لا أحد يصدق ادعاء معالي الوزير – بمن في ذلك الوزير نفسه- عندما يرفع يديه قائلا ببراءة السلطة التنفيذية من التدخل في ملف العشرية، واعتباره إياه ملفا قضائيا بحتا “منزوع الدسم السياسي”! فجميع الموريتانيين، بمن فيهم “اذويب الّتل ساحل ولاته” يعرفون مدى سيطرة السلطة التنفيذية منذ عقود على القضاء في موريتانيا، واستغلالها له، وهيمنتها عليه، وتسخيرها إياه لتمرير سياساتها، وقمع أعدائها، وما تعيين العناصر الموثوق بها والأقل كفاءة وتجربة، في أغلب المراكز الحساسة جزائيا واقتصاديا إلا دليل على ذلك، إذا احتاج النهار إلى دليل! وهذا هو غير المستغرب الذي ذكره معالي الوزير في رده دون أن يعرج عليه!
4. وهناك خطأ آخر وقع فيه معالي الوزير، يتعلق بـ”المألوف والمعروف” حين أفتى بتعليق الرئيس السابق للعمل السياسي ليتفرغ للقضاء حتى يتخلص منه! ونعم “الرأي”! لكن كان على معاليه أن يعي:
– أن هذا “المألوف والمعروف” يتعلق بمن يتقلد سلطة من شأنها أن تؤثر على مجرى العدالة. فمن المعروف والمألوف أن يستقيل ويتفرغ للعدالة! وكلنا أمل في أن يحترم مسؤولو خمسية الإصلاح “معروف ومألوف” الناطق باسم الحكومة في حالة ما إذا لا قدر الله…! ولا ينطبق هذا “المعروف والمألوف”بحال من الأحوال على من هم خارج السلطة!
– أن مجرد الاتهام – مهما كانت جديته ووضوح أدلته- لا يحرم المرء من ممارسة حقوقه المدنية؛ فما بالك باتهام كيدي وسياسي بحت كامل الدسم السياسي ولا يوجد عليه أدنى دليل.
المحامي محمدن ولد الشدو