من أحسن وأمتع ما قرأتُ اليوم على صفحات الفيسبوك، هذا المقال القيم والجزيل حول اللغة العربية، لكاتبه الدكتور أحمد ولد هارون، وعلى ما يبدو فهو مقال يعود إلى أكثر من عام ولا علاقة له بالجدل الدائر حالياً، بل ليس له أي صلة بالسياسة أصلا. وقد تركتُ المقدمةَ القصيرة التي حلّاه بها مَن أعاد نشره الآن، رغم أنه أسقط عنوان المقال نفسه. ولهذا أحببت أن أشارك الأصدقاءَ متعةَ قراءة هذا المقال وما حواه من فوائد لطيفة للغاية.
—————————
🔵 معلومات جمة، وروائع رائقة، وأفكار نيرة… زاولت بين جزالة اللغة وسلاستها، وطرافة الأدب، وعمق الفكر… كاشفة فتوة كاتبها، وتعدد مشاربه اللغوية والسياسية، والأدبية… ولعل “لا غرو” هنا تحصيل حاصل.
—————————————–
تشغل المرءَ أحيانا حوادث محزنة وأخرى سارة ومشاغل يومية فتحرمه المشاركة في حدث هام، مثل تخليد اليوم العالمي للغة العربية، الثامن عشر من دجنبر. لكن لا بأس فالأيام كلها أعياد للعربية، ويقال إن دجنبر هو شهر عالميتها.
ففي الرابع من دجنبر سنة 1954 صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 878 الذي يجيز الترجمة التحريرية فقط إلى اللغة العربية، على أن لا يتجاوز عدد الصفحات أربعة آلاف في السنة، وأن تدفع الدولة التي طلبتها التكاليف.
وفي دورة المجلس التنفيذي لليونسكو رقم 190، المنعقدة سنة 2012، تقرر جعل الثامن عشر من دجنبر يوما عالميا للغة العربية؛ وكان ذلك تخليدا للقرار رقم 3190 الصادر في مثل هذا اليوم من عام 1973، والذي بموجبه قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إدراج العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في المنظمة.
يوم عظيم محبب إلى القلوب، وفرصة للناطقين بهذه اللغة العجيبة ولمحبيها كي يفكروا في وضعها ومستقبلها وماضيها، خصوصا في بلدنا. فالزوايا التي من خلالها يمكن التطرق للموضوع كثيرة ومتنوعة.
العربية لغة كل شيء، ولغة الأدب على وجه الخصوص. والآداب الإنسانية هي أجمل الثقافات والمعارف وأنضجها وأعمقها وأبقاها. وجمال العربية وتأثيرها في نفوس الموريتانيين لا حد له؛ ويزيد من ذلك مواهبُ ومَلَكاتُ من يؤديها ومستوى من يتلقاها والظروف المحيطة.
قليل من الموريتانيين من برع في كتابة النثر العربي؛ وبرع منهم أكثرُ من ذلك في مجال الخَطابة بالفصحى، وأكثرهم في المجال الدعوي. وقد كان الدكتور جمال ابن الحسن يقول إن من بين خطباء ومحاضري عصره المعروفين على المنابر والمدرجات ثلاثة رجال لا يلحنون: المرابط محمد سالم ولد عدود، والشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدي، وأنا، يعني نفسه!
هذا عن الخَطابة بالفصحى والخطابة الدعوية التي برع فيها دعاة عديدون، من بينهم شباب مميزون. أما الخطابة الدعوية الجماهيرية الحسانية فمعروف أن الشيخ محمد ابن سيدي يحيى هو سيدها.
وبالمناسبة، بحثت الأسبوع الماضي مع أحد كبار المتخصصين عن أسماء خطباء موريتانيين في مجال السياسية الجماهيرية والأمرِ العام، فلم نجد اسما واحدا بارزا، لا في يومنا هذا ولا فيما سبَق! مع أن هناك موريتانيين يتقنون إيصال فكرتهم والحديث السياسي المنظم، والمؤثر أحيانا، لكنهم ليسوا خطباء جماهير.
وفيما يخص الخطب الرسمية، أذكر أني سمعت للسياسي والدبلوماسي محمد فاضل ولد الداه خطابين مكتوبين لم أسمع قبلهما ولا بعدهما خطابا موريتانيا رسميا يماثلهما، تحريرا وإلقاء. وكان ذلك في قصر المؤتمرات بمناسبة توزيع جوائز شقيطي، لعل أحدهما كان في سنة 2007 أو 2008، برئاسة الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، بينما كان الآخر في السنة التي سبقت ذلك مباشرة أو لحقته. ولم أزل منذ ذلك الوقت أبحث في الأرشيف عن تسجيل لهذين الخطابين.
ورجوعا إلى العربية التراثية، وإلى الشعر الفصيح، لا يخفى أن الموريتانيين برعوا إلى حد كبير في الشعر، قرضا وحفظا ورواية واستيعابا… وقد شهدتُ في ليلة من ليالي فبراير الماضي، وفي هواء طلق وجو معتدل، خارج نواكشوط طبعا، سمَرا أدبيا ماتعا تلاقى فيه، على غير موعد، أدباء وعلماء ومثقفون، كان من بينهم الشاعر الراوي محمد الحافظ ولد أحمدُ، والأستاذ الأديب عبد الله ولد سيدي عبدالله.
وعند منتصف الليل، وبعد قراءات شعرية، محلية وعربية، وتعليقات أدبية وقصص تراثية وفوائد علمية مميزة، طلب محمد الحافظ من عبد الله أن يسمعه يائية المتنبي:
كَفَى بِكَ دَاءً أَنْ تَرَى الْمَوْتَ شَافِيَا / وَحَسْبُ الْمَنَايَا أَنْ يَكُنَّ أَمَانِيَا
فبدأ عبد الله يَنشُد القصيدة نِشْدانا منتظما شبه عصري، وبصوت هادئ عميق، تكاد القلوب إذا سمعته أن تخرج من أضلاعها استطابة له، على حد عبارة ابن المنَجِّم !
طَرِب الجميع. وتحت جنح الظلام رأيت محمدا الحافظ يتحرك حثيثا ويقترب من مُنشِده ليسمع منه القريض صافيا؛ حتى إذا بلغ عبد الله قول أبي الطيب:
إِذَا كُنْتَ تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ بذِلَّةٍ / فَلَا تَسْتَعِدَّنَّ الْحُسَامَ الْيَمَانِيَا
وَلَا تَسْتَطِيلَنَّ الرِّمَاحَ لِغَارَةٍ / وَلَا تَسْتَجِيدَنَّ الْعِتَاقَ الْمَذَاكِيَا
فَمَا يَنْفَعُ الْأُسْدَ الْحَيَاءُ مِنَ الطَّوَى / وَلَا تُتَّقَى حَتَّى تَكُونَ ضَوَارِيَا
صاح محمد الحافظ الصيحة الأولى طرَبا، وكرَّر البيت الأخير من المقطع:
فَمَا يَنْفَعُ الْأُسْدَ الْحَيَاءُ مِنَ الطَّوَى / وَلَا تُتَّقَى حَتَّى تَكُونَ ضَوَارِيَا.
هنا، فتح عبد الله قوسا شرح فيها البيت المذكور بكلمات قليلة من الحسانية الصقيلة، فقال: “اسْبُوعَه ما ينْشَكْرُو ابْزَيْنْ اطْبٍيعَه !”، فضحك محمد الحافظ وسلَّم الشرح تسليما، وقال لعبد الله: كثَّر الله من أمثالك.
وفي هذا البيت إحدى الحِكَم القيادية المذهلة التي خلَّدها المتنبي؛ وقد ذكَّرتنا معانيها بقصص سياسية مشهورة في مجتمعنا وفي غيره، كقصة امبراطور أوربا، نابليون بونابرت، مع أخيه لويس الذي عينه مَلِكا على البلاد الواطئة. وبعد مدة أراد نابليون أن يعرف انطباع الهولنديين على مَلِكهم لويس، فانتهز فرصة قدوم وفد منهم إلى باريس فسألهم: ماذا تقولون في أخي المَلِك؟ فقالوا له: إنه رجل طيب. فقال نابليون: إنه رجل انتهى أمره! فعندما يحكم شعب ما على حاكمه بالطيبة المجردة، فتلك نهايته!
ويروى عن أمير المومنين عمر بن الخطاب وغيره من الخلفاء الراشدين الكثير من مظاهر الشدة في الحق والقوة والحزم… حتى تجاه كبار الصحابة. لكن الشدة والقوة والحزم المذكورين هم من العدل والإنجاز المقنِع، لا بالعنف والخشونة في غير محلهما ولا بالتصنع. وأن تأتي قرارات القائد واضحة وفي وقتها، لا مترددة، أو في الوقت الضائع، الذي يخف فيه رصيد الحاكم أو ينفد دون ان يشعر، ويتحول كل تصرف له – حينَها – إلى ويل، وعدم تصرف إلى ويلين !
وعندنا في التراث الموريتاني عظيمة تسمى “فاطمَه النَّيْفْرُوهَ”، وهي نملة تنبت لها، كلما نزل المطر، أجنحة، فتظن المسكينة أنها صارت طيرا من الطيور لا نملة ضعيفة، فتقلع على ذلك الأساس دون مقدمات أو طاقة للإقلاع، ثم تسقط وتموت عند اصطدامها بأول جسم، حتى ولو كان هواء!
…………………
استأنف عبد الله اليائية، إلى أن بلغ منها قول المتنبي:
وَلَكِنَّ بِالْفُسْطَاطِ بَحْرًا أَزَرْتُهُ / حَيَاتِي وَنُصْحِي وَالْهَوَى وَالْقَوَافِيَا
وَجُرداً مَدَدنا بَينَ آذانِها القَنا / فَبِتنَ خِفافا يَتَّبِعنَ العَوالِيا
تَماشَى بِأَيدٍ كُلَّما وافَتِ الصَفا / نَقَشْنَ بِهِ صَدْرَ البُزاةِ حَوافِيا
وَتَنظُرُ مِن سُودٍ صَوادِقَ في الدُجى / يَرَينَ بَعيداتِ الشُخوصِ كَما هِيَا
وَتَنصِبُ لِلجَرْسِ الخَفيِّ سَوامِعاً / يَخَلنَ مُناجاةَ الضَميرِ تَنادِيا
تُجاذِبُ فُرسانَ الصَباحِ أَعِنَّةً / كَأَنَّ عَلى الأَعناقِ مِنها أَفاعِيا
هنا صعق محمد الحافظ، وتحدث عن المتنبي حديثا مختصرا بليغا، ثم سكت وهدأ هدوءا لافتا، فأردت أن أقطع صمته وأستثير أدبه فقلت له: هل أعطيك سجادة تسجد عليها؟ إشارة إلى سجدات الشعر المشهورة، فقال: يا ولدي، إن الله يقول: “لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون”، وأنا سكران، أسكرني المتنبي!
…………………
بعد أيام قليلة، عاد جل أولئك السُّمار إلى سبخة نواكشوط، وادَّاركوا فيها ليحاصرهم وباء كورونا، وطغت أدبياته وثقافته ووَساوِسُه وإحصاءاتُه وفقهُه، وخضع الجميع لإكراهاته، ومنعَهم فتحُ المدارس في شتنبر من مغادرة العاصمة، ليشتد على سُمَّارَ فبراير ضغط الصيف والخريف ونَكَدُهما، واستنشقوا الرطوبة والملوحة في موسمهما ومدينتهما، مع مَشاهد الأوساخ والفوضى، والعمارات غير المكتملة المنتشرة على طول كل شارع، إضافة إلى سماع ما شاء الله من لكنة الشباب والمراهقين، ورطانة الشٌِيب والممسوخين.
…………………..
لم يعد خافيا أن مشكلنا، نحن الموريتانيين، مع اللغة العربية مشكل نفساني؛ وذلك بعد أن تم تعريب أجيال منا وترسيم العربية واقتناع العالم بأن العربية لغة حيوية غنية لا يعجزها مجال تقني أو علمي أو إعلامي، فضلا عن حقول الأدب.
تقدمنا كثيرا في مجال التعريب، والحق يقال، بدءا من عقد الستين إلى عقد التسعين. لكن التلوث اللغوي ما زال جاثيا على الألسن والعقول والإدارة والأذواق، وفي صفوف المعرَّبين أنفسهم.
لم تعد اللغة الأجنبية تُقدِّم في عالم اليوم أو تؤخر، بما في ذلك الإنجليزية، ناهيك عن غيرها. صحيح أنها تفيد كثيرا في البحث والتواصل، بل لا غنى لأجيال العصر عنها، وستة أشهر كفيلة بتعليم الإنجليزية للمتعلم المدرك المحتاج إليها احتياجا علميا أو عمليا. فما على المرء اليوم إلا أن يحسن تعليم لغته الأم، عربيا كان أو تركيا أو روسيا أو سويديا أو رومانيا أو جورجيا… فدولته مهما كان انحطاطها ستوظفه بلغتها، ومجتمعه يتحدث بها، وكل مدارس الدنيا وجامعاتها ومعاهدها تدرس من اللغات الاجنبية ما يحتاجه طالب العلم والمتخصص على قدر حاجته.
شكا أحد الطلاب الشباب عدمَ إلمامه باللغة الأجنبية لأحد كبار المثقفين، المتعلمين – أصلا – باللغة الفرنسية، فقال له أحسِن تعلُّمَ علم ما أو مهنة أو حِرفة، مع لغتك الأم طبعا، وبعد ذلك لن يعجزك إيصال علمك أو كفاءتك بأي لغة، أحرى لغة البلاد الرسمية. كما لن يعجزك أخذ ما تحتاجه في عملك أو بحثك أو حياتك من لغة أجنبية.
وسألت يوما أحد المثقفين الكبار المطلعين، وكانت الفرنسية هي لغة تعليمه الابتدائي والأكاديمي، ما أجمل خطاب سمعتَه في حياتك؟ وكنت أتوقع ان يذكر لي إحدى خطب الجنرال ديغول أو أندري مالرو أو آلان بيرفيت، أوغيرهم من الناطقين بالفرنسية الذين عايشهم وتابعهم عن كثب. لكنه فاجأني بقوله إن أجمل خطاب سمعه وأكثره حكمة وتنظيما للأفكار ووضوحا هو خطاب ألقاه في سنوات الثمانين نائبُ وزير الخارجية الصيني أمام موظفي وزارة الخارجية الموريتانية، حول السياسية الخارجية الصينية. وكان الخطاب، بطبيعة الحال، باللغة الصينية التي لا يفهمها محدثي والحضور، وكانت الترجمة إلى الفرنسية قد تولتها فتاة صينية تتحدث لغة فرنسية مكسَّرة رديئة. لكن التمكن من الموضوع ووضوح الأفكار كانا كفيلين بإيصال الأفكار كاملة ساخنة إلى المتلقي.
……………….
عند أول فرصة للخروج سمح لنا بها محمد سالم ولد مرزوك ونذيرُ ولد حامد، سارعنا جميعا إلى البادية والنقاهة السمعية قبل النقاهة البصرية والبدنية، وكنتُ ممن توجه باكرا إلى مسقط رأسه في أطراف المدن الداخلية. وفي الأيام الأولى من تلك العطلة القصيرة، قصدت الأستاذ عبد الله في بيته العامر بضواحي أبي تلميت، عله يعود بنا إلى جو ليلة فبراير تلك وسمرها الأدبي فوجدته، كما كان متوقعا، أشد منا معاناة وتأثرا بقضاء أشهر الصيف والخريف في العاصمة، تحت إكراه الحجر الصحي وفتح المدارس في شتنبر؛ ولذلك غادر العاصمة عند أول فرصة، وضرب لنفسه خيمة كبيرة قرب منزله في ضواحي أبي تلميت، لا يغادرها إلا قليلا.
بعد السلام وتبادل الأخبار والعشاء، استنشدته شيئا من شعر العرب يعين على النقاهة، فأسمعني أول ما أسمعني، وبصوت أهدأ وأعمق من ذي قبل، لامية الأخطل:
كَذَبَتكَ عَينُكَ أَم رَأَيتَ بِواسِطٍ / غَلَسَ الظَلامِ مِنَ الرَبابِ خَيالا
وَتَعَرَّضَتْ لَكَ بِالأَبالِخِ بَعدَ ما / قَطَعَتْ بِأَبرَقَ خُلَّةً وَوِصالا
وَتَغَوَّلَت لِتَرُوعَنا جِنِّيَّةٌ / وَالغانِياتُ يُرينَكَ الأَهوالا
يَمدُدنَ مِن هَفَواتِهِنَّ إِلى الصِبا / سَبَباً يَصِدنَ بِهِ الغُواةَ طُوالا
ما إِن رَأَيتُ كَمَكرِهِنَّ إِذا جَرى / فينا وَلا كَحِبالِهِنَّ حِبالا
المُهدِياتُ لِمَن هَوَينَ مَسَبَّةً / وَالمُحسِناتُ لِمَن قَلَينَ مَقالا
يَرعَينَ عَهدَكَ ما رَأَينَكَ شاهِداً / وَإِذا مَذِلتَ يَصِرنَ عَنكَ مِذالا
وَإِذا وَعَدنَكَ نائِلاً أَخلَفنَهُ / وَوَجَدتَ عِندَ عِداتِهِنَّ مِطالا
وَإِذا دَعَونَكَ عَمَّهُنَّ فَإِنَّهُ / نَسَبٌ يَزيدُكَ عِندَهُنَّ خَبالا
وَإِذا وَزَنتَ حُلومَهُنَّ إِلى الصِبا / رَجَحَ الصِبا بِحُلومِهِنَّ فَمالا
أَهِيَ الصَريمَةُ مِنكِ أُمَّ مُحَلِّمٍ / أَمْ ذا الدَلالُ فَطالَ ذاكِ دَلالا
وَلَقَد عَلِمتِ إِذا العِشارُ تَرَوَّحَت / هَدَجَ الرِئالِ تَكُبُّهُنَّ شَمَالا
تَرمي العِضاهَ بِحاصِبٍ مِن ثَلجِها / حَتّى يَبيتَ عَلى العِضاهِ جفالا
أَنّا نُعَجِّلُ بِالعَبيطِ لِضَيفِنا / قَبلَ العِيالِ وَنَقتُلُ الأَبطالا
أَبَنِي كُلَيبٍ إِنَّ عَمَّيَّ اللَذا / قَتَلا المُلوكَ وَفَكَّكا الأَغلالا
وَأَخوهُما السَفّاحُ ظَمَّأَ خَيلَهُ / حَتّى وَرَدنَ جِبى الكلابِ نِهالا … القصيدةَ
ولما بلغ قول الشاعر:
أَهِيَ الصَريمَةُ مِنكِ أُمَّ مُحَلِّمٍ / أَمَّ ذا الدَلالُ فَطالَ ذاكِ دَلالا
قال إن شيخه الذي كان يدرسه النقائض، وهو عالم جليل ماهر، كان يعلق على هذا البيت وأمثاله بأن هذا الصنف من التساؤلات والإشكالات لا يحصل صاحبه – في الغالب – على جواب أو حل، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!
هنا نقبنا نحن عن تساؤلاتنا الخاصة بنا والإشكالات المجتمعية والوطنية التي لم نجد لها في ما مضى حلا، ولا نراه لها في المستقبل المنظور، فإذا بها غير قليلة، قد تتسنى فرصة أخرى لمشاركتها الجمهور. انتهى السمر في وقت متأخر من الليل، فودعت الأستاذ وتوجهت إلى مسقط الرأس، متزودا بليلة أخرى من كلام العرب الجميل.
الدكتور أحمد بن هارون الشيخ سيديا