معالي وزيرتنا الموقرة، بعد تقديم مايليق بمعاليكم من عبارات الاحترام التي يوجبها سمو مقامكم ، وبعد أن أسدل الستار عن كريم اسمكم وجميل وسمكم، تشرفني مفاتحتكم ببعض الشجون التى تؤرق المشتغلين مثلي بالشأن التربوي، ونرجو أن يوفق الله قيادة البلد هذه المرة لاستيزار من تتحمل أمانة التعليم على عاتقها وتمنحها حقها ومستحقها، وأن يوفقكم للقيام بمقتضيات هذه الأمانة ويلهمكم معرفةَ المفسد من المصلح، وتمييزَ الخبيث من الطيب،واسمحوالي أن أبث إليكم بعض النصأئح الصادقة التي لاتشوبها بائقة خوف، ولا تستحثها بارقة طمع ،وتلك نعمة أحمد الله عليها، وأتمني أن يتسع صدركم لبعض الكلمات الشفيفة الخفيفة التى تَسْتَعيضُ عن صريح جرأة العبارة لطيف ومضة الإشارة، ولن أزعجكم بمطالب ومقترحات فنية تفصيلية يضيق عنها المقام .
أولا: ليكن فى كريم علمكم، وصميم فهمكم -صاحبة المعالي- أنكم قدكلفتم بأهم مسؤولية فى البلد: (وهي قيادة قاطرة التعليم)، وقد ابتليتم بأعظم أمانة: “إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها”، ولا يخفي على موظفة ساميةمثلكم أن التعليم ضمان مستقبل البلاد، وصمام أمانها،ومصنع أجيالها، ومعقد رجائها ،وستسألون غدا بين يدي علام الغيوب عن كل تقصير متعمد فى الأمانة أوإهمال للمسؤولية، فأعدوا لذلك جوابا شافيا،نسأل الله لكم سداد الرأي، والتوفيق عند السؤال.
ثانيا:أرجو أن تحصل لديكم القناعة بأن مجتمعنا لايمكن أن يكون منهاجه التربوي بمعزل عن ثوابته الدينية واللغوية والحضارية، ويجب أن تصاغ بوضوح كامل فى برامج تعليمية تربوية مثمرة، تصنع وعي المجتمع بماضيه وتحدد ملامح مستقبله .
ثالثا : لايمكن أن يتم تصور نظام تعليمي ناجح وناجع يعتمد فى مناهجه وتمويله على دعم خارجي مشروط، وأول خطوة على الطريق الأسلم تبدأ حتما بتحقيق الاستقلال الثقافي الكامل فى وعيه الشامل باجتثاث منابت التبعية والتخلف ، وهي أمور يجب أن تدركها صاحبة المعالي وتتصرف بحنكة وحكمة على أساسها.
رابعا: لقد حان الوقت للاستفادة من كل النماذج التعليمية الناجحة فى العالم والاقتباس الواعي من مناهجها ومقارباتها ورؤاها، وجلب مايصلح منها للنهوض الفعلي بتعليمنا وفق ثوابتنا ليتحرر نهائيا من أية تبعية ثقافية اوتربوية كشفت التجربة المرة زيفها وتخلفها، وأي إصلاح مرتجل أفرزته توجهات وخيارات لاتستند إلى حقائق العلم وثوابت المجتمع ولاتنطلق من رؤية استراتيجية مستنيرة سيكون مصير ها الحتمي كمصير الإصلاحات التعليمية المترهلة التي أبقت تعليمنا فى الحضيض رغم ما أهدر فيها من موارد وطاقات هائلة، وما أدت إليه من تضحية مؤلمة بمستقبل أجيال متعاقبة من أبنائنا.
خامسا: إن كانت لكم -معالي الوزيرة -نية صادقة فى تطوير التعليم وإصلاح خلله فلتبادروا إلى رد المظالم إلى أهلها،وإلى إنجاز ما وعدبه سادة وزراء قد تعاقبوا أياما خلت على الرحل ،عسي أن يخفف ذلك من معاناة مدرسي الوزارة، وعقدوييها ومفتشيها ومديري مؤسساتها التربوية وعليكم-ياصاحبة المعالي-أن “تمسحوا” برفق وصمت بصمات الأيدي الطويلة ، والأرجل الكاذبة الممتدة فى الأروقة والدهاليز لتسلك مياه الإصلاح مجاريها الطبيعية، ولتحقيق ذلك لابد أن تختاروا -ياصاحبة المعالي- بطانة صالحة من المستشارين والخبراء الأكفاء ممن يخافون الله، ويسدون لكم النصح والمشورة.
سادسا: ينبغي لكم -ياصاحبة المعالي- إعادة النظر بشكل جذري وعاجل، فى مناهج التكوين التربوي، ومعايير الاكتتاب والتوظيف والتحويل والترقية والتعيين، والتعاقد، وتحسين أساليب الإدارة المدرسية؛ وفق حكامة رشيدة تتر جمها إرادة معلنة للإصلاح، ويصدقها العمل الميداني ، بالتعاون المنسجم مع موظفين مخلصين فى وزارتكم لم يستعملوا فى سابق عملهم “أدوات الرفع”، ولا اتخذوا “سلالم الصعود” ،ولا أجادوا السير فى أزقة الوزارة” ودروبها الخفية” بل لبثوا سنين عجافا من عمرهم الوظيفي يعملون بصمت، وينجزون بصبر فى أقسامهم وإداراتهم ماكلفوا به ،ينتظرون سن التقاعد بقدر غير قليل من الإحباط، ُتلازم بعضَهم أعراضُ الشيخوخة المبكرة و الأمراض المزمنة ، ويتحتم على معالي الوزيرة- -أن تعيد إليهم الإعتبار، وأن تصلح قطاعها بإشراكهم فى صناعة القرار التربوي الميداني”، وأهل مكة أدري بشعابها” ، “ولاينبؤك مثل خبير”.
سابعا: سيدتي الوزير، نرجو مخلصين أن تقرروا القطيعة النهائية مع ممارسات الماضي بمافى ذلك تسييس التعليم وتمييعه، ولتجاوز تلك العقبة ، يجب الابتعاد عن المحاصصة والزبونية ومغازلة قوي الضغط، وفى هذا الإطار يلزم إطلاق لجان عمل فنية تعنى بتطوير الترببة والتعليم،تُمنحُ الأولوية فيها لأرباب الخبرة المتراكمة بغية بناء منظومة تربوية وطنية متناغمة مع حقائق المجتمع، تستشرف مستقبله، وتلبي حاجاته فى التطوير البناء.
ثامنا: سيدتي الوزيرة، أمامكم الآن أسلوبان فى الإدارة، وخياران فى ممارسة السلطة ،فإما أن تعيشوا اللحظة، وتقضوا ماكتب الله لكم فى هذه الوزارة وسترحلون حتما كماكان أسلافكم يرحلون، وقد سلكوا هذا الطريق، وجلسواعلى هذا الكرسي أياما معدودات من عمرهم ،لهم فيها ماكسبوا وعليهم ما اكتسبوا ثم خرجوا وبقي التعليم بعدهم كماكان : شعارات ومقاربات وإصلاحات وإخفاقات وحملات تتبعها حملات، ومشاريع وسياسات وبرامج وقروض يسيرها من لم يسددها ولن يسددها، وأسماء متغيرة لمصطلحات ومفاهيم متناثرة ، لايربطها أسلوب مستقيم، ولايحكمها منطق سليم ولامنهج قويم، تنسقها خطابات الدعاية، تضاف إلى تاريخ عريق فى الفشل والقصور.وأما الطريق الثاني :الخيار الاصعب ؛ فهو مايناسب الوفاء للقيادة التي منحتكم ثقتها ، ونتمني أن تودع شعبها بإنجازات ملموسة فى الواقع، مغروسة فى الأرض، مغروزة فى الذاكرة الجمعية، تنال بها حسن الخاتمة السياسية ، والكرة الآن فى مرماكم ،ياصاحبةالمعالي، فإن انتصرتم على شهوة السلطة وغرور الشهرة ،وزهو القيادة وسطوة الإدارة ؛ وتحليتم فى عملكم بالصرامة والصراحة، وقمتم بإعادة تصميم بنية الوزارة على أسس قويمة، بإزاحة” مافوق الطاولة” و”ماتحتها” بهدوء وتدرج وحصافة تمهيدا لإصلاح جذري يقوم على الحوار والشوري بإشراك العقول السليمة والكفاآت المستقيمة والأيدي النظيفة فى التخطيط و التنفيذ والتقويم، وقدمتم للمجتمع التربوي عملا مقنعا ينم عن وضوح فى الرؤية وصرامة فى التسيير وحسن فى الحكامة، فستكون لكم ولقيادتكم العليا معا ذكرحميد يْروَي،وبصماتٌ إيجابية تَبقَى زمانا بعد رحيل أصحابها … فلا تخيبوا ظن المتفائلين القلائل، وتقبلوا أصدق مشاعر الود والنصح.
ملاحظة هامة:
(هذه رسالة مفتوحة كتبتها عشية تعيين الحكومة موجهة إلى وزير تعليم مرتقب، وقد شاء الله أن حظيت إحدي السيدات بهذه الحقيبة، فتم تعديل الرسالة بتصرف قليل، استبدل فيه ضميرالخطاب، بعد أن لحقته علامة التأنيث، لذا وجب التنويه)
المفتش: محمد محمدسدينا ودو.