الإمام ناصر الدين

في نهاية 1599م وبداية 1600م، دارت في (تنيگـِي) -وكانت حاضرة علمية مزدهرة- حرب طحون بين تحالفين متنازعين من قبيلة تجكانت ِ وأدت تلك الحرب إلى خراب تلك القرية وتفرق أهلها أيادي سبإ، هاجر جزء من أهلها إلى العصابة والحوض حيث تم تأسيس “تگـبه”، وهاجر بعضهم إلى “الگبله ” والبعض الآخر إلى منطقة تيندوف الجزائرية.

و في مدينة شنقيط قامت صراعات قبلية حوالي سنة 1630 م كان من نتائجها:

  • هجرة جزء من قبيلة “اسماسيد” إلى أوجفت وأطار
  • هجرة جزء من قبيلة “لقلال” إلى العصابة والحوضين
  • نشوب حرب أهلية طاحنة بين إدوعلي “البيظ ” وإيدوعلي “الكحل”
  • وهجرة جزء منهم إلى تگانت وتأسيس “تجگجه” 1660م وهجرة جزء منهم إلى “الگبلة”.

وفي مدينة وادان قامت حرب أهلية بين قبيلتي “تفرله” و “تامكونه” المسوفيتين انتهت بهزيمة “تفرله” وهجرتهم إلى اترارزة، كما أدت هذه الحرب إلى هجرة معظم حلفاء “تفرله” من الحاجيين حيث هاجر “أبناء محمد بن الحاج عثمان” إلى الگبلة و هاجر “أبناء ابراهيم بن الحاج عثمان” إلى تگانت والعصابة والحوض.

هجرات بشرية مكثفة وصراعات بين القادمين الجدد والقدامى
” أولاد يونس وتدمير مدينة ” تيزخت ” وتشريد سكانها1600م
حرب أولاد علوش و أولاد زيد
حملة العروسيين على ولاته واحتلالها قبل أن يقضي عليهم أولاد يونس بمكيدة سنة 1630م

الحرب بين تجكانت والعروسيين ،واجمان وتجكانت بقيادة سيدي المحجوب الجكني فى ” تگـبه ” وتيشيت خاصة بعد وفاة الطالب صديق الجماني سنة 1663م الذى كان يقيم حلف اجمان والعروسيين.

فى هذا المناخ المحلى والجهوي والإقليمي ظهرت في الگبله حركة الإمام ناصر الدين الإصلاحية والتوحيدية.
الإمام ناصر الدين هو أوبك (أبوبكر)” بن أبهم بن ألفغ ابهنض بن اكدام بن يعقوب بن ألفغ ابهنض بن مهنض أمغر جد أولاد ديمان وأحد الخمسة أجداد “تشمشة “

تربى كما يتربى أقرانه وارتاد المحاظر، اعتنى بأموال أهله وسافر في قوافل التجارة، نشأ صالحا تقيا نقيا عفيفا مشاركا في جميع الفنون فاق بعض شيوخه وبعض من تفقه معه حتى قيل إنه أعز فتى في قومه وكان صواما قواما ، وكان فاضلا كما يقول عنه كاتب سيرته العلامة محمد اليدالي:
” كان إذا تاجر أو سافر أرسل معه ضعفاء قومه بضاعتهم يملأ لهم أوعيتهم مما معه زيادة على ما أبضعوه ثم يحسن إليهم بعد ذلك كما كان عطوفا على المستضعفين عموما، كان صالحا وكانت له كرامات وكشوفات، ذاع صيته وأقبل عليه الناس و جلس ثلاث سنين يعظهم مواعظ بليغة في مجالس للحديث تعقد بعد صلاة الظهر تحث على التوبة حتى تابوا وخشعوا وأقبلوا على طاعة الله واشتغلوا بالآخرة عن الدنيا حتى سمّت العامة تلك السنين سني التوبة وألزم النساء بيوتهن.

تلقب بناصر الدين تأسيا بزعيم المرابطين يوسف ابن تاشفين واستعمل الطبل في تنظيم الجيش تأسيا بالمرابطين وبايع أصحابه تحت شجرة “سمرة” تأسيا ببيعة الرضوان وجمع كلمة الزوايا ووحدهم بعدما كان يسودهم من خلافات وانقسامات.

ولما امتنع “ببّه ولد أصور الصگيعي” عن إعطاء الزكاة لجابي الزكاة المرسل من ناصر الدين وهو سيدي لحسن ولد الغاظي العلوي جد العلامة حرمة بن عبد الجليل، احتمى ببّه بالأمير هدي ولد أحمد من دمان، فحماه، وأصبحت الحرب والقتال هما الخيار الوحيد.

ويقال إن هدِّي بعث إلى العلامة الحاج عبد الله ولد بو المختار الحسني، فارسين يستفتيانه في الأمر فرفض الحاج عبد الله إجابتهما وقال: إن أحدهما جبار وهولا يتكلم مع الجبابرة، وطلب من هدِّي الحضور عنده فحضر لديه، وقال له الحاج عبد الله: اطلب من ناصر الدين الرجوع عن قتال الذين في حماك، وإلا فسيكون صائلاً والصائل دمه هدر.

الفسطاطان
شارك من الزوايا في “شرببه”وكانو بقيادة ناصر الدين كل من :

  • تشمشه
  • تندغه
  • اديـچـبه
    -إدگجمله
  • تا گنانت
  • ادوعلِ
  • اإدغـژينبُ
  • انجامره من لمتونه
    بعض ادابلحسن وأولاد أبيري
    مجموعة مؤلفة من قبائل (الْمِدلش) و (انتابه) و (ايكمليلن)

وشارك من حسان وهم أبناء مغفر بن أُديْ بن حسان :

  • الترارزة وكانو بقيادة هَـدِّي بن أحمد من دامان
  • والبراكنة بقيادة القائدين نغْماشْ وبكار الغول
    أولاد امبارك بقيادة بوسيف ول أُديْكَه ول لغويزي
  • بعض أبناء أحي من عثمان

وكان الإمام ناصر الدين نفسه هو الذي يقود الزوايا في هذه الحرب حتى استشهد يوم “ترتلاس ” فتعاقب على القيادة الأئمة بعده.

أما المغافرة فقادهم ثلاثة من أشهر رجالِهم، هم :

  • هَدِّي بن أحمد بن دامان أمير الترارزة.
  • بكار (الغول) بن اعلي بن عبد الله أمير البراكنه .
  • بو سيف بن محمد الزناگي أمير أولاد امبارك.

ومن عجيب الصدف أن القادة الثلاثة: بوسيف بن محمد ازناكَي، وهدّي، وبكار الغول، في قعدد (إلي مغفر بن أُديْ بن حسان) بنفس عدد الآباء.

وقد ساند ملك المغرب مولاي إسماعيل حسان فى الحرب وكان متزوجا من اخناثه بنت بكار (الغول) ولد اعلي من عبد الله أمير البراكنة ، وبعث بجيش بقيادة رجل يسمى (آكشار) مات في المنطقة المسماة باسمه.
وقد ذكر العلامة صالح بن عبد الوهاب في ” الحسوة البيسانية ” مجيئ مولاي إسماعيل قبل ذلك للمنطقة واستقبال كبار قواد المغافرة له من بينهم بكار ولد اعلي من عبد الله الذى صاهره وهو من قواد المغافرة اللامعين في شرببه.
وأشار لزيارته تلك صاحب الاستقصا فى تاريخ المغرب الأقصى
وكذلك ذكر ولد اطوير الجنة في تاريخه زيارة مولاي إسماعيل للمنطقة ومروره على تيشيت وودان وشنقيط.

كان الأوربيون ضد دعوة ناصرالدين وضد فتحه و أسلمته للضفة اليمنى واعتبروها خطرا عليهم لأنه حرم تجارة العبيد وخطرا على مشاريعهم الكولونيالية المستقبلية في المنطقة يقول “شامبونو” فى كتابه ” نصان من السينغال ” Chambonneau ” Deux texts sur le senegal”:
“وهذا المرابط المنتمي إلى دين محمد من أمة البيظان التي تسكن بلاد البربر، وهو رجل شديد الطموح لم يكتف بكونه قد بدأ في بلاده بتغيير العادات والدين عن طريق إشاعة هذه “التوبنان” فيها وإنما يريد أن يذهب أبعد من ذلك وعلما بأن الزنوج كانوا محكومين من قبل ملوك لم يعودوا يتحملون نيرهم إلا بالقوة لشدة ماعانوه من الطغيان والنهب والاسترقاق فقد قرر التوجه إلى بلادهم ليفعل ما فعله في بلاده”
ويضيف شامبونو:
“.. والمرابط توجه إلى فوته سنة 1673 م يدعو في كل قرية (للتوبنان)- وهو تحريف لكلمة التوبة – في الساحات العمومية والزنوج أصغوا إليه ورأوا فيه رجلا لم يبلغ الثلاثين من العمر حليق الرأس لا يتكلم إلا عن شريعة الله وعن صالحهم وحريتهم فاستجابوا له وتخلوا عن مشاغلهم القديمة ورافقوه في حله وترحاله حتى خضع له سائر مملكة ” والو “.

وقد حارب ناصر الدين ممالك الزنوج رغم كونهم مسلمين وحجته في ذلك قوله: “إنما قاتلهم لاسترقاقهم الأحرار” خاصة أنهم كانوا يبيعونهم للنصارى (الأوروبين) وكان ناصر الدين يقف ضد بيعهم ويقول شامبونو Chambonneau في كتابه نصان من السينغال ( Deux texts sur le senegal):
“إن شرط ناصر الدين الأول للصلح، أثناء مفاوضات الصلح التي جرت بين البعثة التجارية الفرنسية في سان لويس وأخي ناصر الدين وسفيره منير الدين، كان إنهاء تجارة الرقيق! وهو شرط لا يمكن تحققه!
يقول شامبونو الذي يستشهد في ذلك بقول ناصر الدين “إن الله حرّم على من يلي أمور الناس نهب أموالهم وسفك دمائهم واسترقاق رقابهم. وإنما أوجب عليه رعايتهم وحمايتهم من كل الآفات. إن الله سخر أولي الأمر للناس ولم يسخر الناس لأولي الأمر . “

ولهذه الأسباب ـ يقول ببكر باري في كتابه “مملكة والو” “Boubacar Barry ” Le Royaume du Walo:
” ظلت البعثة الفرنسية في سان لويس تتحين ظهور أدنى خلل في حركة ناصر الدين كي تتمكن من التدخل والقضاء على تلك القوة الوليدة التي كان يخشى أن تلحق ضررا بتجارتها، وقد سنحت تلك الفرصة في مطلع عام 1674 حين قتل ناصر الدين القائد الروحي ورأس حربة تلك الحركة الدينية في المعركة”

كامل الود

سيدى محمدX/xy

شارك هذه المادة