الدعوة إلى نصب الإمام و إلى فتح باب الاجتهاد كانت من أولويات مشروع الشيخ محمد المامي الإصلاحي، لم يكن الشيخ راضيا عن الواقع الاجتماعي والسياسي لبلده ولهذا أطلق عليها تسميات تشي بتلك الفوضى السياسية والاجتماعية مثل “البلاد السائبة” ، و”المنكب البرزخي” ، والقطر الشنظوري.
الشيخ محمد المامي هو أديب ولغوي وفقيه وأصولي ومفكر سياسي ومصلح اجتماعي ومؤرخ. ويرد الكثيرون غزارة علمه إلى ذكائه الحاد، خاصة عند الغوص في حياة هذا العالم الذي عانى من معارضيه الذين لم يقبلوا أطروحاته الجديدة عليهم.
وقد ترك العديد من المؤلفات في التوحيد والفقه والسيرة النبوية والنحو، وقوانين الدولة والجغرافيا وعلم الفلك و الحساب وتكلم عن اكتشاف المعادن والثروات ، مما يجعل بالإمكان القول بأنه كان سابقا لعصره…. وقد قام بإدخال تحسينات في المناهج التربوية المعمول بها بموريتانيا آنذاك
اشتهر الشيخ بسرعة قياسية نظرا لعبقريته العلمية الفذة وحدة ذكائه، ففي فترة مبكرة تصدر للفتوى، وألف عشرات التآليف في الفقه، واللغة والشعر والحساب، كما أفتى في نوازل لم يُسبق لها. ومن مشروعه الإصلاحي دعوته إلى النظام وقيام دولة، كما حث الناس على العمل وطالبهم بالإتحاد وتنصيب حاكم يأمر بالعدل ودعا إلى العمران وحفر الآبار وصيد السمك.
ذهب إلي القبلة اترارزة أقام بها فترة وجيزة لينتهي به المقام في منطقة توضباي الفوتية – كوركل حاليا- ثم عبر نهر السينغال واتصل بأمراء النهر الذين يحكمون بالعدل ويشجعون العلماء ثم عاد ليستقر في ربوع تيرس واشتهر بالسعي في الصلح بين القبائل، وبالكرم، وكان يعيش في كنفه الكثير ممن لا ملجأ لهم، كما كان موضع احترام كبير من جميع الموريتانيين والوافدين. “
وقد وضع نصب عينيه قضية الدعوة إلى نصب الإمام وإقامة الحدود واعتبر أن غياب الإمام يؤدي إلى شيوع الفوضى وتعطيل الأحكام ، وأدى إدراكه لخصوصية البلاد إلى انتاج خطاب تميز بازدواجية كما راعى تلك الخصوصية عن إصداره للأحكام باعتبار شنقيط ومجتمعها حالة استثنائية تتطلب احكاما خاصة تنطلق من خصوصيتها الاجتماعية والدينية ، واهتمامه هذا بالفقه وواقع مجتمعه الخاص دفعه إلى تأليف نظم مختصر الخليل وكتاب البادية ثم ترجم اهتمامه بالفقه السياسي إلى نظم الأحكام السلطانية للماوردي ودرس السياسة الشرعية في محظرته وذلك يعكس سعة أفقه العلمي وعدم تمذهبه.كما حث الناس على العمل وطالبهم بالإتحاد وتنصيب حاكم يأمر بالعدل، ودعا كذلك إلى العمران وحفر الآبار والإنتاج في جميع المجالات…
والواقع أن الاهتمام بالإشكالات الناجمة عن الفراغ السياسي والعمراني شغل بال الشيخ محمد المامي؛ فقد عالجه من الوجهة التنظيرية في عدة مؤلفات أقواها في الدلالة على قوة هذا الانشغال هو نظمه لكتاب “الأحكام السلطانية” للماوردي، وحتى من الناحية العاطفية فقد كان الشيخ محمد المامي يحس بألم شديد من الفراغ السياسي في بلده ويعيش هاجس الإصلاح وجدانياً، نجد ذلك في تسمياته الساخرة للبلاد، مثل “المنكب البرزخي ” … وعمليا عُرف عن المؤلف دعوته الشهيرة إلى نصب الإمام وسعيه الحثيث فيها من خلال الاتصال بالعلماء والتحريض بالأشعار…..
ولعل مشروع الشيخ محمد المامي، يأخذ إلى جانب البعد السياسي، أبعادا أخرى أوسع.
فعلى الصعيد التشريعي ، رأى الشيخ محمد المامي ضرورة تجديد الفقه خاصة في هذا القطر فنقح الكثير من الدراسات الفقهية وتعامل معها بروح نقدية اجتهادية فائقة كما رأى أن مجتمع شنقيط في القرن 13 يعيش أزمة تشريعية متجسدة في ظاهرتين بارزتين ميزتا ذلك المجتمع هما:
- خلوه من المجتهدين والكلام في النوازل على أمثلة المقلدين حيث بقي التقليد مسلكا في عقول الناس فكانت ثقافتهم وبضاعتهم الفكرية مقصورة على الثالوث المعروف “في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك “… لهذا كان من أهم أهداف الشيخ محمد المامي فتح باب الإجتهاد ،
وقد برزت أصداء منهج الشيخ محمد المامي و دعوته إلى فتح باب الاجتهاد و التجديد و التوحد و تنصيب الإمام في الحياة الشنقيطية و قد ظهرت افكاره في العديد من المؤلفات التى جاءت بعده،