“احمد هارون “يكتب عن مدخلات النائب “محمدبوى” فى عهد(المحمدين)

كتب السيد احمد هارون ول الشيخ سيديا على صفحته الخاصة:
لا أستبعد أن يكون رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، أكثر رقة وتذوُّقا للمسرح من كثير من الأبطال الحاليين للبرلمان الموريتاني ووزارة العدل وحزب الإنصاف، وقطاعات أخرى تفترض فيها بقية حبكة.

بل لا أستبعد أن يكون أكثر رقة وتذوقا للمسرح من محمد ولد عبد العزيز نفسه؛ خصوصا أن السيد النائب، محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل، قدم توضيحات أنكر فيها قصده لشخص بعينه. وهذا ما لم يفعله ولم يُطلب منه حين تخيل قصة الخنزير البري المشهورة في آخر أيام عزيز. فلعل مستشاري هذا الأخير وحكومته كانوا أكثر إدراكًا وتحرزا من الاصطدام بعموم المادة 50 (جديدة) من الدستور: “لا يرخص في متابعة عضو من أعضاء البرلمان ولا في البحث عنه ولا في توقيفه ولا في اعتقاله ولا في محاكمته بسبب ما يدلي به من رأي أو تصويت أثناء ممارسة مهامه…”

ولا شك أن مؤلف القصة أدرى من غيره بقصدها، بما في ذلك الهابا التي ذهبت مذهبا لم يذهبه حتى وزير الشؤون الإسلامية؛ وهو أن كلام النائب فيه نقل للإساءة. وهذا من باب “نقل الكفر كفر.” وقد أنكر هذا أيضا النائب واستبعده.

جاء في “زواج فيغارو” أن المدح الممتع لا يوجد إلا مع حرية إلقاء اللوم! مع أننا، نحن الموريتانيين، لم نسمع لحد الساعة مدحا ممتعا!

وزواج فيغارو، لمن لا يعرفها، قصة للكاتب الفرنسي المشهور بومارشيه (Pierre-Augustin Caron de Beaumarchais) استوحى منها موزارت أوبرا تحمل الاسم نفسه سنة 1786.

ومع أن بومارشيه كان عبقريا، جاء في ترجمة ويكبيديا له أنه موسوعي فرنسي، وصانع ساعات، ومخترع، وكاتب مسرحي، وموسيقي، ودبلوماسي، وجاسوس أرسلته فرنسا لمساعدة الثوار الأمريكيين، وناشر، وبستاني، وتاجر أسلحة، وناقد، وخبير مالي وثوري… إلا أنه كان غريب الأطوار وصاحب معارك قضائية لا تخلو من إثارة.

توسطت هذه المسرحية مسرحيتين أخريين كلاهما حول شخصية فيغارو، وهما “حلاق إشبيلية” “والأم المذنبة”. وقد عالج الكاتب فيها فضيحة تغيير المواقف قبل الثورة الفرنسية، وأثناءها، وبعدها. كما ضمَّنها شيئا من النقد المبطن لحكومة لويس السادس عشر. وعندما قرأها الملك قال: إن هذا الرجل يسخر من كل ما يجب احترامه في الحكومة؛ ثم أمر بمنعها من العرض.

هنا، يتحدث الملك – ربما – عن قانون رموزه، ويتحدث التاريخ عن نكسة من نكسات القرن الثامن عشر!

خاض بومارشيه، بداية عقد الستين من القرن الثامن عشر، معارك قضائية ربح بعضها وخسر البعض؛ وكان من أسباب خسارته لها وسجنه بعد ذلك أشهرا من سنة 1773، نقض قام به القاضي جويزمان الذي ستطبق شعرته الآفاق بسبب قلم بومارشيه. فقد كان جويزمان قاضي صلح حاول بومارشيه رشوته قبل أن يسجن. لكن بومارشيه استغل وقت السجن في تأليف كتاب عظيم عنوانه مذكرات ضد جويزمان، فصعّد ذلك من نجم الكاتب وجعل منه رمزا للعدالة الاجتماعية والحرية.

وعندما رد جويزمان على اتهامات بومارشيه بفتح دعوى قضائية ضده، كان الحكم غريبا حيث حكم على كل من بومارشيه وزوجة غويزمان التي أخذت الرشوة من بومارشيه بالإثم، وعزل القاضي غوزمان وأُلغي حكمه في القضية السابقة. وقد أثارت قضية جويزمان الرأي العام لحد خروج القضاة من الباب الخلفي لقاعة المحكمة، تجنبا لغضب الجماهير التي ترابط أمام قاعة المحكمة.

هذه التفاصيل “تندْركْ أهميتهَ”، إلا أنها تعطي لمحة، حسب عبارة ولد عوَّه الطريفة البليغة. كما تذكّرنا بأن مفعول “شي متعدل” كان وما يزال أقوى وأبقى من كل مفعول آخر، خصوصا في هذه الأرض ولدى هذا المجتمع. لا يضاهيه في ذلك إلا الأدب. أعني الأدب بمعنييه وبكافة ميادينه، ثم الصبر والسعة، ثم الطرافة…

شارك هذه المادة