حالة انتشاء… ( فإذا بَنَى) :

هل سبق لأحدكم أن جرّب الشعور بالنشاز عندما يصلح المطرب اعراب أو نطق كلمة تعود أن يسمعها منه مكسرة؟
عندما خاطبت الراحلة / الخالدة ديمي سدوم : (خَصّرْهَالْناَ) كانت تعبر عن لحظة انتشاء موسيقى ونيرفانا صوفية تتسامى على النحو والصرف ومواضعات اللغويين..
كانت مفاجأتها واضحة حين نطق سدوم الكلمة على غير عادتها محاولا تصحيحها (فإذا بنا ) ولأنها تعودتها منه بطريقة أخرى، أكثر طربية، لم تتردد في دعوته إلى إفسادها .. خصرهالنا…
وفعلا كانت أكثر جنونية حين أعاد سدوم العبث بها من جديد…
البارحة وأنا أستمع لبعض أبديات الراحلة رفقة شقيقها الرائع أحمد وكانا يطرزان ( بقداده) بماء الحياة ، كنت أتساءل هل سيكون الشور بكل هذه الدوودية لو أنهما نطقاه ( بغداده) بالغين؟
لا أريد لحظتها حسم الاجابة، لأن السؤال في أتون الشجو جزء من اللحن … فقط انتبهت إلى أن ما منحه حرف القاف لهما من تحكم في إيقاع اللحن لا يمكن لحرف رخوٍ كالغين أن يمنحه.. كان سكون النّفَسِ عند الحرفين الأولين (بَقْ….داده) منتهى الطربية والشدو…
والأمر نفسه لو أن الراحلة نطقت قول الحمداني ( بسطتُ يد الهوى) بدلا من (بصطت) بالصاد، فهي بالصاد قمة الفخامة والتحليق …
تعودنا عند المطربين العرب أن يستبدلوا كلمة بأخرى ( لا تقل شئنا فإن الله شاء) بدلا من ( الحظ شاء) كما فعلت الست مع رائعة ابراهيم ناجي، بل انها تارة تغير الحرف الواحد ( فإن الحق شاء) بلا من ( الحظ شاء)….
وفعلها عبد الحليم مع نزار في قارئة الفنجان.. وكاظم الساهر أيضا مرات كثيرة..
لكن صهر الحروف وتطويعها لصالح الحنجرة و اللحن ميزة تكاد تكون موريتانية صرفة .. على الأقل مع جيل العمالقة الذي يعوض أهل اللغة أضعاف جهدهم حين يأخذهم إلى عين الشمس وربما أعلى..
إذا كان الفرزدق قد خاطب ابن أبي اسحاق النحوي :(علينا أن نقول وعليكم أن تَتَأَوَّلُوا).. فنيابة عن هؤلاء أقول : ( علينا أن نتبتّل وعليكم أن تذوبوا) ….
ذوبوا….
———————————-
هذه التدوينة نشرتُها سابقا، وأعدتها هنا بعد الحصول على مقطع ديمي المذكور …

من صفحة د/الشيخ معاذ سيدى عبدالله

شارك هذه المادة