يعد انفتاح النص الشعري على نصوص سابقة مصدر ثراء له ودليلا على تنوع ثقافة الشاعر وسعة اطلاعه، غير أن هذا الاستدعاء لا يكون ثريا ومقنعا إلا حين يتمكن الشاعر من توظيف النصوص توظيفا ناجحا بعيدا عن الاستنساخ الهجين والمعارضة السطحية.
وكثيرا ما يستدعي الشاعر نصا من محفوظاته فتظهر ملامحه على النص الذي أنجز، وقد استوقفتني نماذج من استدعاء النصوص عند “لمغنيين”، يقول محمد لمين ولد الطلبه العلوي:
عَـــــــــوْدَانْ الطَّــــلْحَـــــايَه فِاگْــــــفَــاكْ @ شَطْنَـكْ يَعَگْـــلِي غَـــيْـــــرْ أَرْعَاكْ@
مِــنْ تِسْمِـــــيـــهَا مَـــــــزَالْ احْــــذَاكْ @ جِيمِجَارْ، أَفْطَنْ جِـــــدْرْ اعْــدُو@
كَانْ اسْــمَعْ عَــــنَّكْ ذَاكْ ؤُرَاكْ @ اعْــــــــــــــــــلَ أَمْ أَگَـــــنْـــــــتُــــــــــــــورْ إِرِدُّو @
ؤُذِيكْ إِلَى سَـمْعِـتْ عَنَّـكْ ذَاكْ @ ذَاكْ إِعُـــــودْ أكْــــبَــــــرْ مِنْ گِـدُّو@
صور الشاعر عناصر الطبيعة من حوله وجعلها شخوصا تتنصت على الزائر لتنقل خبر مجيئه إلى الآخر في صورة حركية بديعة تنم عن تمكن لغوي وقدرة على الصياغة، وحاور في النص طلعة محمد ولد هدار حوارا متميزا حين يقول:
يَعَگْـلِي ذَاكْ امْـــنِ التِّـــفْگَـــادْ @ إِلَّاهِي لِي فِــــــيــــــهْ، ؤُلِــمْــــــــــــرَادْ@
خَالِـگُ، غَيْــرْ آنَ مَانِي گَـادْ @ يَعْطِيكْ الْخَيْــــــرْ ابْذَاكْ الْيَـوْمْ@
هَـنِّيـنِـي عَــــنَّـــكْ، وِانْــــتِــي زَادْ @ هَـنِّـــيـــنِــــي يَـــــــــآمُــورِتْ سَـــدُّومُ@
وِيــــلَ كَانْ اتْمَـعْلَمْـتُـــــــو گَـــــاعْ @ ؤُخَــلَّــيْـــــتُـــــونِي سِـــــــرِّي مَكْـتُـومْ@
يَابَ عَنُ ذَاكْ اجْدِرْ لِكْرَاعْ @ نَـعْــــــرَفْ عَـنُّـو مَــــــاهُو مَعْلُـومْ @
ويقف ولد محمد خوي على أطلال أحياء المجموعات التي كانت تقيم بأرض تيرس، وقد خلت منهم المرابع واستوحش المكان بعد أنس، فيصف في وقفة اعتبار حزينة تحول الحال وعبث الزمان:
أَسْـكِـي يَـتَــقْــلِــــيـــبْ الـزَّمَــــانْ @ وِالــتَّـــــوْحِـــــيـــــدْ الْــــمَا كَــــانْ إِفْـلَـــيْــــدْ@
ژُوگْ ؤُفَـلَـكْــلَـكْ وِالـــزِّغْـــــــلَانْ @ اخْـــلَاوْ امْنِ انْـــــيَــــاگْـ أَهْـلْ الْـــقَـــيْــــدْ@
وِامْنِ الْـمِــسْــتَــعْـــــــرَظْ لِلــــــژَّرَانْ @ مَـصْگُــــــولْ امْــنِ اذْرَارِي بَـــزَيْـــــدْ@
وِالْـمَوْجْ افْرِيگْـ أَهْلْ النِّعْمَانْ @ مَــــاهُــو فِـيــهْ ؤُذَاكْ الـــتَّــــوْحِــــــيــــــــــــدْ!@
فالنص يحاور محاورة صريحة طلعة محمد ولد هدار:
سُـبْـــــحَــانْ اللَّـهْ أَلَّ تُـــــــــبَّــــــــــــاعْ @ إِگِــــلِــــــيـــدْ، ؤُحُـكْـــــــــمْ إِگِـــــلِـــــيـــــــــدْ @
اتْـــــــلَ مَـا لَاهِـي فِـــيــهِـمْ گَـــاعْ @ حَدْ إِشُوفْ اخْيَامْ أَهْلْ احْمَـيْــدْ@
دَارْ الـــتُّـــبَّـــــــاعْ أَلَّا ظَـــلــَّـيْــــــتْ @ نِــــسَّــــــدَّرْ فِــــيــــهَـا، وِاتْـمَـشَّــيْـــــــــتْ @
عَنْهَا، وِاعْگَبْــتْ الْهَا وَلَّيْتْ @ ؤُعَــــــارِفْ عَـنْ ذَ مَــــــــاهُـو مُـفِـيـدْ @
غَـيْـرْ أَلَّا ذَاكُو گِــــــدْ اتْلَـيْتْ @ إلْلِّي بَـاگِـيـلِي عِـدْتْ إِفْ لَـيْــــدْ@ ويستحضر الشاعر باب الدين العباس الكَّـاف التالي:
گِدْ إِلْ بَيْـنْ- ؤُلَا فِيهَـا مَيْنْ- @ شِي يِنْگَـاسْ، ؤُشِي مَا يِنْگَـاسْ@
اْمْنِ النَّــــاسْ، أَلَّا گِــــدْ إِلْ بَيْنْ @ شِــمْـنِ النَّـاسْ امْـعَ شِـمْــنِ النَّـاسْ@
فيقول:
وَاسَ فَاتْ أَصْلَـنْ مُولْ الكَونْ @ أَوْلَادْ آدَمْ بَـعْــدْ اطْـبَـايـِگْ @ وابْـــــنَـــايِـــــگْ؛ ما تِگْــدِرْ يَــــــكُــونْ @ اتّــمْ اطْبَايِــگْ وابْنَــايِــگْ@
ومن نماذج التناص المتعدد الأصوات قول الشاعر إفك أحمد الشرف :
آنَ بَـــــــيْـگِــي كِـــــنْـــــتْ امَّــــــاسِــيـــهْ @ عِــــــمَـــانُو گَــفَّــاوْ ؤُنَــــــاسِــيــــــهْ@
كِـنْــتْ، ؤُنَــاسِـي كِـنْـتْ أَهَـالِـيــهْ @ وِالْـبَــــارِحْ فِاعْـيُـونْ الْمَـگْـفَ @
رَگَّــبْ نَــــــــوْ، إِبْــرِيـــــــحُـو تِـــــــمْـــرِيـهْ @ وِالْــبَــــــــــرّاگَه تَـحْـــتُــو رِدْفَــه @سيد محمد
واگْـبِظْـتْ احـْـوَيْـــلِي لَاهِي بِـيــهْ @ انْــعَـــــــــدّلْ دُونْ الــنَّــــــوْ ادْفَ @
شَــــالِــــتْ وِذْنِي صِـــدْفَه رَدَّاتْ @ مِنْ بَـيْگِي، مِـــرِّى يَالصِّدْفَـه @
رَدّيْــــتِــيـــنِي كِــيـفِــــتْ مُــلَاتْ @ الـتِّـــبْــرِيـعَه، عِـمَــــانْ اگْــفَ@
ويظهر حوار الشاعر صريحا لطلعة إبراهيم ولد إبراهيم على مستوى الإيقاع والمضمون:
الْـطِفْ بِـيَّ يَــوْمْ إِلْ نَـصْـبَـــحْ @ فُـؤُكَـيْـرْ اللِّي بِاغْـــــــرَامِي شَحْ@
إدْبَـــــشْ لِـگْـيَاطِــيـــــنْ امْـطَـــــرَّحْ @ مَـــــــــزَالُو فَاعْــگَــــابْ الْگـــلْــفَه@
تِـتْــخَــالِـفْ دَيَّـــارِتْ لِــبْــــــلَــــــحْ @ فِالــــــــزَّوَالْ اتْــــــــقِـــلْ الْخِـــلْـــفَه@
يَـطْــلَــعْ نَــوْ اكْــبِــــــيــرْ امَّـــرَّحْ @ وِالْـــــبَـــــــرَّاگَه تَحـْــتُـــو رِدْفَــــه@
اللِّي إگًــولْ إِنْ الـنَّــوْ اصْلَـحْ @ وِإِللِّي إِگُــولْ إِنْ النَّـوْ اصْفَ@
لِـطْـفَــكْ يَـعَــظِــيـــــــمُ الْجَــــــاهِي @ مَـغْـــــلَاهْ ؤُكَـيْــــــــرْ الْـيَــوْمْ احْـفَ@
مَـعْـــــوَدْ غَـــلَّايُـــــــو مَـــــا لَاهِي @ تِـشْـتَـــــــدْ امْــنَ أَخْــبَارُو نَــــتْــفَه@
كما يظهر استحضاره طلعة الكفيه ول بوسيف :
لَحْگِـــــتْــــــنِــي حِـــلَّه هَوْلْ انْجِـــيـــهْ @ مَــــانِي فِـيـــهْ إِلْ بَـــــيْگِي سَـمـَّـــــاعْ@
ؤُعِـــــدْتْ انْــــــرِفْ اعْـلِـيـهْ ؤُنِـبْغِيــــــــهْ @ ؤُنِـشْـــــــريـــهْ إلَى رَيْــتُـو يِـــــنْـبَـاعْ@
غَـــلَّاتْ اعْــلِــيَّ حِـــلَّـه رَدْ @ مَـــا كَــانْ اعْـلِيَّ يَــــــغْــــلَ بَــعْــــــــــدْ#
لِـبْـتَـــــيْـتْ، ؤُيَــاسِـــرْ مَـــا يِــنْـــعَـــدْ @ وَانَ سَــابِگْــهَـا يَالشَّـــفَّـــــاعْ @
مَــا كِـنْــتْ انْـشِــكْ إِنْ اتْـلَ حَـــدْ @ اعْـــــلَ حَـدْ إِغَـــلِّي شِــي گَــــــــاعْ!@
گَــطْ اگْـبَـلْ مِتْكِـنْـتْ ؤُمِـتْكِـنْـتْ @ ؤُتَـمَّـيْــتْ أَلَّا بِاگْــسَــــايَ كِـنْـتْ@
غَيْرْ انْسِغْتْ إِلْ حِلَّه وِانْطِعْــتْ @ وِاگْــبِــلْ عَـگْـــلِي زَادْ التِّطْـــــــــوَاعْ@
وَانَ مَـا گَطْ انْسِغْـــتْ ؤُطِعْـــــتْ @ ؤُعَگْــلِي مَا گَـطْ انْسَــاغْ ؤُطَاعْ #
أما تضمينه التبريعة الذائعة الصيت فواضح جلي، وهي قول إحداهن:
مِــــرِّي يَالصُّـــــدْفَـــــــه @ رَدَّيْـتِـيـنِي عِـــمَــــــانْ اگْـــــــفَ
هكذا يتجلى كيف يحاور الشاعر نصوصا بعيدا عن الاستنساخ المبتذل والتكرار الهجين ويمنح بذلك نصه غنى وتميزا.
الدكتورة والكاتبة:باته البراء