توقفت المغرب عن مطالبها بموريتانيا وأعلنت اعترافها بها عشية القمة الاسلامية بالرباط 1969
وهاكم رواية شاهد من أهلها على ما حدث ( موريتانيا لم تتنازل يوما عن استقلالها وعن سيادتها ولم تساوم عليهما ):
يروي الدكتور عبد الهادي بوطالب ما حدث قائلا :
“عندما بدأ الرؤساء والملوك يصلون إلى المغرب كلّف الملك الحسن الثاني بعض وزرائه باستقبال ومرافقة عدد منهم، وعهد إليّ عن قصد بمرافقة الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه، الذي جاء لأول مرة إلى المغرب، ولم يكن المغرب اعترف بموريتانيا دولة مستقلة.
فقال الملك الحسن الثاني : إنه يقبل حضور موريتانيا لأنه يريد توسيع دائرة الإجماع على القمة، ولا يرى مانعا في مشاركتها، وكان موقف الملك بالنسبة للرئيس ولد داداه رسالة أو هدية ثمينة تلقاها من الملك .
وعندما نزل الرئيس الموريتاني ولد داداه بمطار الدار البيضاء واستقبله الملك الحسن الثاني في أسفل الطائرة، كان هو الرئيس الوحيد الذي لم يعانقه الملك، واقتصر على مصافحته.
وكان الملك هو الذي يقدم لضيوفه الحليب والتمر ، لكنه لم يفعل ذلك مع الرئيس ولد داداه، إذ قدم له الحليب والتمر أحد أعوان القصر.
كان الرؤساء والملوك يصلون تباعا الى مطار الدار البيضاء، ومنها يتوجهون مع وزير مغربي مرافق الى الرباط، وعهد إليّ الملك بالمهمة التالية :
” استقبلوا المختار ولد داداه معي في المطار، ثم رافقوه إلى أن يصل إلى مقر إقامته بالرباط وأجروا معه حديثا مباشرا حول موضوع استرجاع المغرب لموريتانيا، واسبروا غوره لتتعرفوا مقدار استعداداته للاندماج في المغرب أو التقرب منه، وأنتم تعرفون ما أفكر فيه من حلول لهذه القضية، كما أعرف فيكم القدرة على الجدال والمناقشة والاقناع مع حسن اللباقة”.
ولما وصلنا إلى مقر إقامته بالرباط قلت له : ” فخامة الرئيس أريد أن أبقى معك على انفراد لتناول الغداء”.
فصرف الوفد المرافق له وبقيت أنا وهو على انفراد في فيلا أحد تلامذتي في المعهد الملكي (عمر القادري) التي وضعت رهن إشارة الرئيس الموريتاني للإقامة بها.
وأخذتُ أتناقش معه حول علاقة موريتانيا بالمغرب، وكانت له حقائق تاريخية غريبة، لم تكن بالنسبة لي حقائق تاريخية صحيحة، فجادلته فيها ودلّلت على صحة وجهة نظري، فقال : إن موريتانيا لم تكن تابعة للمغرب قط، وليست جزءا من التراب المغربي، وإن علاقات موريتانيا بالمغرب والمغرب العربي هي علاقة مد وجزر، وإن الدول المتعاقبة على حكم المغرب كانت تأتي تارة من تخوم الصحراء مرورا بموريتانيا، وتارة تأتي من المغرب لتصل إلى موريتانيا.
كان له تفكيره الخاص وتفسيره التاريخي، وفهمت من كلامه أنه كان يدرك أنه حقق لبلاده على المغرب مكسبا بقبول المغرب حضور موريتانيا في القمة الاسلامية كدولة مستقلة أجنبية عن المغرب، وأنه يتحدث من موقع قوة، فاستبعد ما لوحتُ إليه من إمكان التفكير في حل سياسي كونفيدرالي أو فيدرالي، وتشبث بوضع بلاده دولة مستقلة يمكن أن ترتبط مع المغرب بعلاقات التعاون والصداقة.
وامتدت المحادثات بيني وبينه أربع ساعات، وبعد نهايتها ودعته وتوجهت إلى القصر الملكي لأخبر الملك الحسن الثاني أني وجدت الرجل صلبا عنيدا، وله تفسيره الخاص للتاريخ، وحكيت للملك تفاصيل ما جرى طيلة أربع ساعات من الحوار، فكان تعليق الملك الحسن الثاني : ” أهو هكذا إلى هذا الحد؟”.
في نفس الليلة أقام الملك الحسن الثاني مأدبة عشاء على شرف رؤساء الدول، وأجلسَ على كل مائدة ثلاثة رؤساء دول وبعض الوزراء المرافقين لهم.
وكان على مائدة الملك الخاصة ثلاثة رؤساء : الرئيس الجزائري هواري بومدين، وشاه إيران، والرئيس الموريتاني. فلما جئت للسلام على جلالة الملك بعد أن خص الرئيس الموريتاني قبل العشاء باستقبال رأسا لرأس، توجه إليّ بمحضر الرئيس الموريتاني قائلا : ” قال لي الرئيس الموريتاني إنك كنتَ معه صلبا شديدا” فكان تعليقي : ” لعل الأمر كان بالعكس، فهو الذي كان صعبا”.
فقال الرئيس الموريتاني : ” إن السيد عبد الهادي بوطالب كان يدافع عن وجهة نظر”.
فعلق الملك قائلا : ” تلك وجهة نظر السيد بوطالب، أما وجهة نظري، فأنت قد عرفتها الآن للتو في اللقاء الذي كان بيني وبينك، الأمور انتهت. سنفتح إن شاء الله صفحة أخوية جديدة مع الشقيقة موريتانيا”.
عبد الهادي بو طالب : نصف قرن في السياسة – ص 200/204
من صفحة الشيخ معاذسيدى عبدالله