ولد الشيخ محمد المامي بداية القرن الثالث عشر الهجري وهو العصر الذهبي للثقافة في المنتبذ القصي، وقد ربطته علاقة قوية بعلماء عصره، فكانت له صلات علمية بابن عمه البخاري بن الفلالي وابنه محمد عبد الله وكانت بينه مع الأخير مشاعرة حول موضوع زكاة مال الأتباع، يقول محمد عبد الله ولد البخاري ولد الفيلالي:
الحمد لله حمدا بعد بسملة :: ثم الصلاة على من دينه الدين
وبعد منا لأهل العلم قاطبة :: من كان منهم له في العلم تمكين
فينا تنازع أهل العلم مسألة :: ودونت بينهم فيها الدواوين
ورد عليه الشيخ محمد المامي بقصيدته المسماة الدلفينية التي يقول في مطلعها:
الحمد لله ما دل العناوين :: وما تعاصب شرط والأراكين
وفي ذات النازلة زكاة مال الأتباع دارت، بينه عدة رسائل مع العلامة محمد بن محمد سالم المجلسي، لم تؤثر على صداقتهما وإن اختلفت وجهات نظرهما حول الموضوع.
وقد سئل الشيخ محمد المامي مرة عما جرى بينهما فرد قائلا:
“ما قلته حق وما قاله حق، والحق يتعدد، ولولا تعدد الحق لما تعددت المذاهب”.
أما محمد ولد محمد سالم فقد اعترف للشيخ محمد المامي بالتفوق في هذه المطارحة الفقهية، وبدوره امتدح الشيخ محمد المامي مناظره ولد محمد سالم بالقول:
فما ولد النساء من الرجال :: ولا حمل الرجال على الجمال
كمثلك يا محمد بشرتنا :: بك الأيام فيها والليالي
وتوطدت علاقته بالعلامة محنض باب بن اعبيد الديماني، وقد نوه الشيخ محمد المامي بالشيخ محنض باب ولد اعبيد، والعلامة محمد بن محمد سالم وبمكانتهما العلمية قائلا:
الحمد لله رب العالمين على :: سعي الإمامين في تجديد ما اندرسا
محنض بابه لكشف الأمهات نحا :: حتى تخلص منها كل ما التبسا
ونجل سالم أبدى المصريات لنا :: لما سنى البحث في الأمصار قد طمسا
كما ربطته صداقة ودية وعلاقات علمية بالشيخ محمذ فال بن متالي، فقد عرض عليه نظمه لمختصر الشيخ خليل، فسلمه ونوه به قائلا “اكتابك هذا حد ماهو عالم ؤ ولي ما ايگد يفهمو “.
وكانت بين الشيخين مراسلات، وكان لمرابط محمذ فال بن متالي يتبرك بآثار الشيخ محمد المامي ويحرص عليها ويعتني بها، كما كان الشيخ محمد المامي على صلة بالعلامة حرمة بن عبد الجليل وباب بن أحمد بيب العلويان، فقد ذكرهما في نونيته حيث يقول:
كحرمة أو كباب بني علي :: فإني منهما في الداخلينا
وكان علاقة بالعلامة السالك بن الإمام بن محمد بن الحسن الحاجي الوداني العالم الجليل، والشيخ الصوفي وإمام مسجد ودان والذي أخذ الطريقة التيجانية عن الشيخ سيدي أحمد التجاني مباشرة بلا واسطة، وكان قدم من المنتبذ القصي مع أخيه أحمد سالم بن الإمام متوجهين إلى الحج وإليهما يشير الشيخ محمد المامي بقوله في نونيته الوافرية يذكر من يصلحون للإمامة:
وآل الحاج أنصـار كرام :: إلى أبناء جفنة ينسبونا
و(أحمد سالم) منهم ومنهم :: أخوه (سالك) في السالكينا
وقد استدرك العلامة السالك على العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي عدة مسائل في تأليفه في البيان (نور الأقاح)، وسمع بذلك فسلم جميعه لسعة باعه، وكان السالك لا يدرس في البيان إلا بذلك التأليف إعجابا به من بين كتب البيان الوافرة في وادان.
وممن كانت له به علاقات وطيدة وحميمة المجاهد الكبير والعالم الجليل الحاج عمر الفوتي حيث يقول:
سلام على من نور معناه فائح :: ومن نوره للشمس والبدر فاضح
فكنا نرى للغرب عدلا يقيمه :: عليه بقرب المصطفى النور لائح
وفي عمر الحاج الموفق وسم ما :: نحاوله من ذلك الكنز لامح
فنحمد رب العرش إذ خص قطرنا :: بمن هو للأمصار هاد وفاتح
فلا ضاع بين الدولتين مدارس :: لهم همم في المكرمات سوابح
وصلى إله العرش بدءا ومختما :: على خير خلق الله ما نم فائح
وأجابه الحاج عمر بقصيدة منها:
على كل ميت نائحات بكينه :: وليس على دين المهيمن نائح!
كما كانت له علاقات كثيرة مع سائر علماء زمانه وصالحيه يقول متوسلا بالرجل الصالح بلال الولي صاحب الكرامات:
يا ملان بركت بلال :: والسر إل بين واياك
أغفر للعلم والجهال :: واغرف للحجمات امن اسماك
كما كانت له علاقات وطيدة بالصالح الولي العالم العارف القاضي أحمد للعاقل الأبهمي الديماني وأبنائه العلماء الصلحاء كما ربطته أيضا صلات علمية بالعلامة المختار بن محمدا المجلسي، فقد وقف إلى جانبه ودافع عنه في حكمه بطلاق امرأة طال نشوزها عبر قصيدته:
سلام على القرن الألى خذلوني :: وناطحت عنهم ماضيات قرون
بتأديتي فرض اجتهاد عليهم :: وفتحي لأبواب له وحصون
وكان أيضا على صلة وثيقة بالشيخ سيد محمد الخليفة بن الشيخ سيد المختار الكنتي، فيذكر أنه أرسل إليه يسأله عن حكم تعلم علم الحرف والأوفاق وعلم التربية فأجابه الشيخ سيد محمد برسالة في الموضوع.
وللشيخ محمد المامي كتاب البادية ويقع في مجلد رائع من نحو مائتي صفحة، وقد سماه المؤلف لفرط تواضعه “صوف الكلاب” يقول:
“ومن أجل افتقار العامة لهذا الموضوع الهلهل النسج سميته بصوف الكلاب، لقد أعوز الصوف من جز كلبه ..”
وقد تعرض الشيخ محمد المامي في كتاب البادية لأحكام ونوازل تقع لأهل البادية ولم يتعرض لها علماء الحضر منذ قيام الدولة الاسلامية، مثل أحكام “مساجد البادية” و “قسمة حبس الماشية” وبعض العادات المتداولة مثل ثقب الاذن للأخراص و “ونگالة” وهي ان يذبح الشخص شاة وتقتسمها جماعة اليوم ويذبح آخر شاة غدا ويقتسمونها وهكذا دواليك، وعادة التدخين والأحكام فيها، ويتعرض الكتاب لأمور أخرى مثل “ثمن الجاه” وقد كانت قبائل الأتباع تلجأ دائما الى قبائل الزوايا لتشفع لها بجاهها في استرداد الأموال التي تنهبها منها القبائل المحاربة.فهل يجوز للزوايا أن يأخذوا ثمنا مقابل هذه الشفاعة؟
وقضية قطع آذان المحاربين فقد كان بعض رؤساء القبائل يقطعون آذان المحاربين زجرا لهم عن الحرابة، فطرحت هذه النازلة اشكالا فقهيا حاول الفقهاء ان يلتمسوا له وجها شرعيا.
وقضية الإجارة على اللبن العامي، حيث يقوم النظام الغذائي للبدو على لبن الأنعام، ولا يستغنون عنه إلا نادرا، لذلك فإن من المعاملات الشائعة عندهم أن أحدهم إذا لم تتوفر لديه أنعام فإنه يستأجر ناقة ليحلبها مدة معينة .فالمستأجر عليه في هذه النازلة مجهول، لأن الناقة لا يعرف قدر لبنها بالتحديد، فما حكم هذه الإجارة؟
وقضية وصل الشعر فقد كان نساء البادية يستعملن شعرا مستعارا لإطالة شعورهن إذا كانت قصيرة أو قليلة، أو إذا كان بها شيب فإنهن يسترنه بالشعرالأسود.
وكقضية التقويم بالعروض، فمن أقدم على إتلاف مال معصوم سواء كان ذلك عمدا أو خطأ فيجب عليه تعويض قيمته من النقدين الذهب والفضة كما ينص على ذلك الفقهاء، لكن هذا الأمر طرح اشكالا في المنتبذ القصي التي لا عملات “أرض لا سكة فيها” فكيف يكون التقويم بها وهي معدومة؟
وكقضية كشف نساء البادية أطرافهن لضرورة الرحيل، فقد تكشف نساء البدو أطرافهن لضرورة الرحيل، والرحيل يستدعي حضور الأجانب أو المرور بهم، وهو ما يطرح مسألة حجاب المرأة، وسترها لجميع بدنها بحضرة الأجانب؟
وكتاب البادية يفتح باب التخريج أو الاجتهاد المذهبي لفقهاء البادية حين يقول إن فقهاء عصره ينكرون على من حاول فتح باب الاجتهاد، ومع ذلك لا تمضي على أحدهم سبعة أيام دون أن يجتهد في نازلة “
وله مؤلف “إدخالات البحر في الغدير” وهو رد على رسالة وردت إلى المنتبذ القصي كتبها الشيخ محمد بن محمد بن علي الإراري المغربي عام 1093 هـ، في نبذ المذاهب الفقهية والاستغناء عنها بالكتاب والسنة، وقد نبه الشيخ في رده:
” أن هذه كلمة حق أريد بها باطل، إذ أن المذاهب الفقهية إنما هي زبدة الشريعة ولأن عموم الناس لا يستطيع الوصول لعدم تأهله لذلك “.
وكانت دعوة العلامة محنض باب ولد اعبيد، للعلامة الشيخ محمد المامي لانتشال الفقه وتداركه قبل أن يضيع بقوله:
أدرك الفقه فقد خرج من الأيدي (امرگ ليدين) حسب تعبيره، هي التي حملته على تأليف كتاب “البادية”.
ثم قام الشيخ محمد المامي بنظم مختصر خليل لتمكين أهل البادية الرحل من شيء يسهل حفظه واستحضاره، ويقول الشيخ محمد المامي عن نظمه لمختصر خليل متحديا أهل مصر:
ﮔولولْ مِصْرَ تِجَّلَّجْ :: إلَيْنْ تَنْظمْ دفْتَرْهَ
وَلّاَ اتْسَلَّمْ يَوْمْ الْـحـَجْ :: الثَّالْثَ مَا تَجْبَرْهَ
يَا الْوَاعِدْ الْجَامِعْ الَازْهَرْ :: وَابْطَاحْ مَكَّه وَالْمَشْعَرْ
وَامْسِيدْ لَمْدِينَ الَاكْبَرْ :: لِكْتُوبْ ذِيكْ امَّاكِرْهَ
رَاعُو النّظْمْ الْمُخْتَصَرْ :: كَانُوا اصْبَحْ فِي امْحَاظِرْهَ
يقول الشيخ خليل ابن اسحاق في مختصره في باب الطهارة:
(بَابٌ){ يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ بِالْمُطْلَقِ، وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ، وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى أَوْ ذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ، أَوْ كَانَ سُؤرَ بَهِيمَةٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ فَضْلَةَ طُهَارَتِهِمَا
ويقول الشيخ محمد المامي في نظم الدرر أعلاه:
وإنما يكون رفع الحدث :: بمطلق الماء وحكم الخبث
وهو ما عليه ماء صدقا :: بغير قيد لازم تألقا
وإن جمعته من أشجار الندى :: أو ذائب من بعد ما قد جمدا
أو كان سؤرا لبهيمة حصل :: أو حائض أو جنب أو ما فضل
وحين أنهى الشيخ محمد المامي نظمه لمختصر خليل قال (لين يدغروني علماء الگبلة نَنْعَتْ الهم بعد اكتاب واعر أدَوترگو)، ثم قام بعرضه على أعيان علماء المنتبذ القصي.
ويقول في براعة اختتام بديعة بين يدي الانتهاء من النظم:
قد تم نظم المذهب المنتثر :: لكن قليل مكثر لم يعثر
وتم عرضه على الأعيان :: كالعالم الأگدبجي الرباني
أنخت عنده بـ(تلماسَ) :: في الصيف والجمل ذو إخماس
فوضع الإصبع في يومين :: على جميع المتن مرتين
وقال له العالم الرباني محمذن فال ولد متالي الأگدبجي التندغي لم أنقد من هذا التأليف إلا قولك في آخر (الحضانة) عند قول خليل : (ولا شيء لحاضن لأجلها..
يقول الشيخ محمد المامي:
“كما له السكنى على الأب ولا :: شيء لحاضن لأجلها خلا
مايلزم المحضون من إنفاق :: لوالد أعسر بالاطلاق”
وقال لم أنقد سوى من أجلها :: ذلك الاستثنا الذى من بعدها
عالم سنهور يراه المنقطع :: قلت وذا استثناء أيضا منقطع
فبين لولد متالي أنهما ليسا مختلفين بشأن ذلك الاستثناء المنقطع.
وإذ تبدى لمحنض بابا :: عشية أعجبه إعجابا
بالقيظ بالعلب لدى بئر الكرب :: إذ يملؤ الدلو إلى عقد الكرب
واضع رجليه على إحدى الركب :: ومطرح الأنظار وحده طلب
وقال لا عيب به للمشتهي :: إلا اختصاص سره بالمنتهي
قلت من أصله حوى ذاك الشمم :: ومن يشابه أبه فما ظلم
أطال ربى عُمَرَ الإسلام :: بعُمَريهما على الدوام
وعرضه على نجل فحل تيرس العلامة سيد أحمد ولد سيدي عبد الله ولد الفاضل الباركي، وبدر المجلس العلامة المتبحر أحمد دوله بن اتشاغ أعمر اليعقوبي اليدامي فأعجبا به.
وقال العلامة مولود ولد أحمد الجواد اليعقوبي إن جودة نظمه أسلس من شعر أبي تمام:
ولم يعبه نجل فحل تيرس :: وأحمد الدولة بدر المجلس
والفحل عبد الله نجل الفاضل :: خالي حامى الدف ذو الفضائل
بأمر شيخه غِنَى اللبيب :: أخى الكشوف أحمد الحبيب
والنجل أحمد سمي الشيخ :: يالك من ذى شيبة وشرخ
تغمد الله الجميع بالرضا :: والعفو والرحمة سحبا وإضا
وقال مولود أخو الأنظام :: وهو مجالس الفتى إكرام
واها لمثله من النظام :: أسلس من شعر أبى تمام
قال مكان الشعر لفظة غزل :: وحدت عنها لاضطرار قد نزل
نالا من الرحمة حظا وافرا :: ولهما كان الإله غافرا
والحمد لله على التمام :: وإن جنى عداوة الأنام
فإن أكن مستهدفا للخلق :: من أهل مغرب وأهل الشرق
فإن فيهم صحة الأذهان :: ونصرة الحق مدى الزمان
وصلوات ربنا والرحمه :: لمن يراجع أجل النعمه
محمد خاتم الأنبياء :: صلى عليه رب الأتقياء
ما استشفع العبد به في الخاتمه :: ونال ما يرجو وحسن الخاتمه
ويقول الشيخ محمد المامي إنه حلّى بنظمه لخليل جيد انتاجاط والتي سيدفن فيها امحمد ولد الطلبه الذي نظم خليلا أيضا.
ويحكى أن امحمد للطلبة لما سمع طلعة الشيخ محمد المامي قال “أراهوّ انعاني” وتوفي بعد ذلك بقليل ودفن عند انتاجاط.
ويرى العلامة محمد سالم ولد عدود رحمه الله أنه يقصد أنه حلى بنظمه لخليل جيد انتاجاط يقول الشيخ محمد المامي:
دَارُ لجوادْ اديارْ زين :: إكْدَ الدوگجْْ لُ دايرين
و انشالُ بيه امسوحلين :: لينْ اوفاوْ ازگاريره
طولْ اجّدبْ ءُ طول اسنين :: ما يَلواوْ انواويره
اشكاتْ اتفلوِ لوْلين :: لَماليف إلهَ طاريين
ءُ لا كنّ فيها حاظرين :: و اكتن لبستْ لحريره
من عندْ اندر إلاَ الصين :: تبرزْ وحدَ نحريره
تيرس ما تجبرْ لي اخلاط :: كان اسكنت إلّ غيره
رانِ خليتْ انتاجاط::”نظم اخليل اعلَ ديره”
كان الشيخ محمد المامي رحمه الله عالما وليا صالحا ومن اغناه:
صدع الكون إنگد إنداويه :: وامن الكون إنگد إنريحو
والعبد إلا فِلشُو عَربيه :: فأيديه إدير امفاتيحو
وجاءه رجل يبحث عن (أززال غالي) ضاع منه فطفق الشيخ محمد المامي يكرر:
يلّ مالك فالملك امثيل :: يالغنيّ عمّا سواه
أززال إل كان اگبيل :: هون إيسول عنو ملاه،
إعليه اگفل جنحت جبريل :: يجبريل اعمل بيه إلاه
گال شِ دز، گال للراجل خرص يكان ذاك أززالك؟
قال الرجل: واللهي صرتك يشيخنا ألّ هو اگبال.
كامل الود
من صفحة سيدى محمدx/xy