اختطاف مسعود../ اسحاق الكنتي

كان مؤتمر الثلاثاء مفاجئا في كل شيء؛ العناصر المكونة لطيفه السياسي، اللغة المتشنجة، والمطالب “الربيعية” التي لا تقيم وزنا للممارسة الديمقراطية التي يلزم المشاركون فيها بمساطرها. عنصر الغرابة في تكوين الطيف السياسي الذي نظم المؤتمر هو وجود وجه سياسي يجمع الموريتانيون على وطنيته وانحيازه، في ممارسة السياسة إلى المصالح العليا للوطن، بعيدا عن المزايدات والمماكسات السياسية. فقد عرف مسعود ولد بلخير، خلال مشواره السياسي الحافل بالرزانة والوطنية بعد تجاوزه مرحلة التشنج ومهرجانات الشحن (خطاب أطار) التي فرضتها عليه سلطة سياسية حاصرته وهمشته، وحلت حزبه فأبدله الله خيرا منه ليتبدل خطابه لما هو خير لموريتانيا وتجربتها السياسية. حرص مسعود على التموقع في الوسط، محاذرا من الأطراف التي وجد نفسه يوم الثلاثاء حلقة وصل بينها!!! هذا “التموقع الجديد” هو الذي أفرز لغة متشنجة طالما صدرت من الأطراف فعرفت بها.
لم يكن مسعود قريبا من تواصل، في خطابه، ولا في ممارسته السياسية وإنما كان، ولا يزال، مناضلا وطنيا يبني مواقفه على ما يحقق الوحدة الوطنية. لذلك حظي باحترام الموريتانيين على اختلاف مشاربهم السياسية، ولم ينج سياسي قط من هفوة تغتفر له. لكن الخطر يكمن في محاولة اختطاف مسعود وما يمثله من رمزية، من قبل المتطرفين ليروجوا خطابهم من خلاله. فمبادرة وسائل إعلام معروفة بانتماءاتها الأيديولوجية وولاءاتها الحزبية لاستضافة الزعيم في حوارات موجهة الهدف منها تعميق الهفوة حتى تصبح شرخا، هو ما ينبغي لنا جميعا مواجهته. فقد كان مسعود من المنخرطين في حملة فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، والفاعلين في مساندته، وتأييد ترشحه. والذين يحاولون اختطافه اليوم كانوا، ولا يزالون، في المعارضة الأكثر نشاطا التي لم تعترف حتى اليوم بنتائج الانتخابات التي خسرها مرشحوها!!!
سيدرك مسعود، ولو بعد حين، أن الإساءة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إساءة إلى رمزية مسعود الوطنية، وتشويه لتاريخه النضالي. وسيعي، بعد نفاد شحن الأطراف، أن موريتانيا لا تعاني أزمة من أي نوع. فنظام الحكم مستقر وفقا للمساطر الديمقراطية؛ أغلبية كاسحة تمارس السلطة، ومعارضة هيئت لها أجواء العمل السياسي الهادئ القائم على التشاور والانفتاح، وتحظى بمؤسسة لا توجد في أعرق ديمقراطيات العالم. فلم يبق إلا أن تمارس دورها الرقابي الناصح، وتتخلى عن التأزيم الناطح إذا كانت الأهداف وطنية تنشد الأصلح لموريتانيا.
ولعل الزعيم مسعود أدرك، بعد سيل الردود من النخب السياسية والثقافية الوطنية المستهجنة للعبارات التي وضعت على لسانها، وصفقت لها “الأطراف”، أن “فاتورة التطرف” أغلى من كل الفواتير، ومعجلة السداد.. فلا تعينوا التطرف على أخيكم.

شارك هذه المادة