تحدث الرئيس الموريتاني لمدة تزيد قليلا على نصف ساعة مع تلفزيون فرانس 24 في نسختيها العربية والفرنسية (مصحوبة بإذاعة فرنسا الدولية)، وتم بث المقابلتين اليوم السبت آخر أيام يوليو 2021.
كان الديكور هو نفسه في المقابلتين؛ الرئيس يرتدي دراعة ذات زرقة سماوية خفيفة وتطريز ماتع ذي صفرة فاقعة مزج بين الإفريقي الغربي والصحراوي خيط ببساطة وأناقة؛ مرفوقة بقميص أنصع منها بياضا وخيمة من الحجم المألوف بأثاث مألوف وخلفية مزخرفة تتمايل بعفوية مع وجود علم قريب من الرئيس لم تظهر خطوطه الحمراء التي هي من بصمات الرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز؛ فهل تم إخفاؤها عمدا أم أن الطي وإطار العدسة هما المسؤولان؟
تجاوز صاحبنا الامتحان بسهولة ودهاء حين الحديث عن المتاركة مع التنظيمات المسلحة في الساحل وعن الفدية التي تشاع منذ مقتل أسامه بن لادن، وعن الانسحاب الفرنسي المعلن والحالة التونسية.
ظل الرئيس غزواني في المقابلة الفرنسية ذكيا حازما حتى الدقيقة العاشرة كاد أن يفقد وقاره بسبب سيل من الأسئلة من دبابة إذاعة فرنسا المتمرسة كريستوف بابوفيي وبإسناد من المحاور التلفزيوني المدلل لدى القناة الفضائية مارك بيريلمان؛ يتعلق باتهامات الرئيس الأسبق له بتصفية الحسابات معه، فحاول أن يتهرب ويواجه ويتخلص وابتداء من الدقيقة الرابع عشرة بلغ الحديث عمقه الدرامي حين قال الرئيس :
“لقد كنت مشغولا بأشياء أخرى…لا لم أكن أظن أن هذا سيحدث لا .لا. لا.لا..لم أكن أعتقد أننا سنصل إلى هذا الوضع…لكي أكون واضحا معكم فاجأتني أشياء كثيرة. دعوا أعيني تتحدث دعوهما فإنهما عيناي على الأقل … لا لم أخنه … اسألوه هو(عزيز) هل خانني؟” وقد اضطر الرجل الذي نال الباكلوريا في الأدب الفرنسي من ثانوية روصو وتحت وطأة سؤال حول المصائر القضائية للرؤساء أن يتغافل عن تأثير فعل الإرادة فولوار على تصريف توابعه من الأفعال… إن الذين يريدون يعتبرون…”
وفي المقابلة باللغة العربية كان الصحفي التونسي الأصل توفيق امجيد مداعبا ومشاكسا ومقاطعا؛ وحاول أن يقحم ضيفه في أكثر من فخ، وكان الغزواني مرتاحا طيلة الوقت بدليل أنه ضحك مرتين على الأقل وابتسم أكثر من مرة.
نفس الديكور وهو خطيئة تلفزيونية في الإخراج ماكان لها أن تمر؛ مع اختلاف في المحتوى النظري للأسئلة.
كان الرئيس جامد اليدين وكأنه يغالب نسائم يوليو في وادي انواكشوط الفسيح حيث يقيم؛ حتى لا تنزاح الدراعة من هنا أو هناك، ولعل تلك المكابدة حصدت تركيزه كثيرا.
تبرأ الرئيس غزواني علانية من صياغة قانون الرموز ولكنه لم يلغه.
وكان الرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز حاضرا في ثنايا الحوار بحيث تبرأ الغزواني من الحديث عن المشاعر والعواطف وابتعد عن الملف القضائي لسلفه.
لم يكن الرئيس غزواني مفوها في المقابلتين وفشل في إبراز خواتم الكلم في أكثر من مرة وذلك قد يكون من قلة الدربة وتأثير الرهاب، حيث أن الاستماع للمقابلتين عبر مكبر صوت يظهر تلعثما وكلاما غير مفهوم وانكسارا لنبرة الصوت في نهايات الجمل.
كان الغزواني عسكريا متمرسا في الحديث عن تكتيكات الانسحاب الفرنسي وإعادة الانتشار؛ ونجح في تمرير عرض الوساطة الموريتانية على أطراف النزاع الصحراوي، ونجح في مغازلة كبراء الساحل بدهاء (فرنسا والجزائر)
استطاع ولد الغزواني باستدعائه لجيش الصحافة الفرنسية منذ عشرة أيام بدأت بصحيفة جينافريك وانتهت بالتلفزيون الفرنسي شبه العمومي أن يخلد بشكل ذكي ذكرى تنصيبه الثانية قبل الدخول في الفوج الأول من العطلة الحكومية السنوية؛ وأن يمرر أكثر من رسالة إلى الداخل والخارج.
أشاح النظر يمينا لأكثر من مرة وكأن مستشاريه الإعلاميين تجمهروا بالقرب من المصورين أو الكاميرات الثلاث التي استخدمت في المقابلتين.
لم يكن ثرثارا وقد نفعته نبرة الصوت الكيسة والحذرة غير الصاخبة؛ ولكن حياءه المتغلب لم يكن دوما في صالحه خلال خرجتيه المتزامنتين.
لا يوجد تكوين جامعي في الدنيا لرئاسة دولة، لكن الظهور في الإعلام يحتاج لأشياء أقرب للتدريب العسكري؛ فهل سيعيد الرئيس الاستماع للمقابلتين قبل لقائه المفترض مع الصحافة الوطنية ؟
إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا