أثار قانون أجازته الحكومة الموريتانية يوم الأربعاء يتعلق بحماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وبشرف المواطن، جدلاً كبيراً على مواقع التواصل، حيث تفهمه البعض واعتبره الكثيرون “قانوناً مطاطاً قابلاً للتأويل وانتكاسة لحرية الرأي والتعبير”.
وجاءت إجازة هذا القانون أسبوعاً بعد أن هدد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، باتخاذ إجراءات لمواجهة ظاهرة “استغلال الإنترنت في ترويج الشائعات الكاذبة، أو بث الكراهية، وتحريض بعض فئات الشعب على بعض”.
وقال: “هناك من يحاول استغلال الثورة التكنولوجية من أجل زعزعة السكينة العامة، وذلك عبر الترويج للشائعات وبث خطاب الكراهية”.
ولفت الغزواني إلى أن “الجهات المعنية عاكفة على تحيين نصوص قانونية كفيلة بوضع حد لهذه الظاهرة الهدامة”، مؤكداً في الوقت نفسه أنه “يطمئن على أنه لن يكون هناك أي مساس بالحريات الفردية ولا العامة ولا بالحريات المكفولة بالدستور”.
ودافع وزير العدل الموريتاني محمد محمود بيه، أمس، عن القانون المثير للجدل، وأكد في توضيحات للصحافة أن “القانون يهدف إلى سد الفراغ التشريعي الملاحظ حالياً في المنظومة الجنائية الوطنية وفي حالات الاعتداء على الرموز الوطنية والمساس بهيبة الدولة”.
وأكد في شروح قدمها عن القانون المجاز “تمسك الحكومة بالثوابت الحقوقية الكونية المكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وكافة المواثيق الدولية التي تكرس المبدأ الإنساني لحرية التعبير”، منبهاً إلى “وجوب احترام حقوق المواطنة وصون الوحدة الوطنية بوضع الأدوات القانونية المناسبة لصون وتجسيد قيم الوطنية والمواطنة”.
وأشار إلى أن هذا القانون “يأتي في وقت مناسب لسد الثغرات التي تم رصدها في المنظومة الجنائية لتمكين الممارسين من قضاة ومحققين من آليات قانونية واضحة لفرض سيادة القانون واحترام قيم الجمهورية”.
وتنص المادة الثانية من هذا القانون على أنه “يعد مساساً بهيبة الدولة ورموزها، من يقوم عن قصد عن طريق استخدام تقنيات الإعلام الرقمي أو ومنصات التواصل الاجتماعي بالمساس بثوابت ومقدسات الدين الإسلامي أو الوحدة الوطنية والحوزة الترابية أو بسب أو إهانة شخص رئيس الجمهورية أو العلم أو النشيد الوطني”.
وسيعاقب مرتكب أحد هذه الجرائم، دون المساس بالعقوبات الأشد المقررة في قوانين أخرى، بالسجن من سنتين إلى أربع سنوات وبغرامات مالية من 200 ألف أوقية جديدة إلى 500 ألف أوقية جديدة (1 دولار=36 أوقية).
وتنص المادة الثالثة من القانون الجديد على “أنه يعتبر مساساً بالأمن الوطني كل نشر أو توزيع لمواد نصية أو صوتية أو مصورة عبر استخدام تقنيات وسائل الأعلام الرقمي أو منصات التواصل الاجتماعي، تستهدف النيل من الروح المعنوية لأفراد قوات المسلحة وقوات الأمن وزعزعة ولائهم”، فيما سيعاقب مرتكب هذا الجرم بالحبس من سنتين إلى أربع سنوات وبغرامة من مائتي ألف إلى أربعمائة ألف أوقية”.
وتؤكد المادة الرابعة من القانون المذكور أنه “يعد مساساً بالسلم الأهلي وباللحمة الاجتماعية كل توزيع عبر وسائل الإعلام الرقمية أو وسائل التواصل الاجتماعي لمواد صوتية أو نصية أو مصورة تتضمن قذفاً أو تجريحاً أو سباً موجهاً لجهة من جهات الوطن أو مكوناً من مكونات الشعب، أو تبث الكراهية بين هذه المكونات أو تحرض بعضها على بعض”، كما تنص على أنه “سيعاقب مرتكب بعض هذه الأعمال بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وبغرامة من مائتي ألف إلى أربعمائة ألف أوقية”.
وتخول المادة السابعة من القانون الجديد “النيابة العامة ممارسة الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون بشكل تلقائي، كما يمكنها ممارسة الدعوى بناء على شكاية”.
هذا وأثار القانون الجديد ردود فعل متباينة يعبر غالبها عن الانزعاج من القانون الجديد.
وأكد الإعلامي عبد الله ولد سيديا، في تدوينة علق بها على القانون: “نريد من وزير العدل تعريفاً محدداً «للإساءة»، والإجابة على السؤال: متى يكون القول إساءة في حق الرئيس وبأي مفردات”.
وأضاف: “القانون الجديد مطاط وقابل للتكييف، وهو انتكاسة لحرية الرأي والتعبير”، حسب قوله.
وكتب الصحافي أحمد مصطفى: ” لكأنّ بين قانون التكميم الجديد وقانون تأميم المساجد قبل نحو عقدين علاقة «نسب ما»، كما يشتركان في القفز على قوانين كانت قائمة، وفي النزعة العقابية الموغلة في التشدد، وفي النظر للجمهور كقصر”.
وقال: “الإشكال هنا ليس في القوانين، وإنما الإشكال في صناعة القوانين على المقاس، وصياغتها بغموض، وتطبيقها بانتقائية”.
وأضاف: “من لا يريد أن يتحدث الناس عنه فليلزم بيت أبويه، وليعد عشرات الملايين وربما المليارات، التي أخذها من أموالهم”.
وكتب الوزير السابق سيدي محمد ولد محم: “التجريح والإساءة إلى أي كان، جريمة يعاقبها القانون وليس في ذلك أي جديد، والتخصيص المتعلق برموز الدولة كالدين ووحدة المجتمع والعلم الوطني الذي يرمز للدولة ورئيس الجمهورية الذي يجسدها هو أمر في غاية الأهمية، فلا يعقل أن نتفق جميعاً على إقامة دولة نحتمي بها وتشكل أسمى تجسيد لوجودنا وهويتنا الوطنية، ثم نقوم بازدراء رموزها التي هي رموزنا”.
وقال: “وليكن واضحاً أن نقد السياسات وتقييمها وتعديلها وتغييرها من خلال كل الوسائل المشروعة، وأهمها صناديق الاقتراع، حق لكل مواطن يضمنه الدستور وقوانين الحريات، وأن حرية التعبير في المطلق أمر مقدس، وقد وُجد القانون لينظمه دون تقييد أو إلغاء؛ مع ذلك فالدفاع عن الإساءة إساءة مثلها، وحرية التعبير لا تعني حرية الإساءة”.
وعلق المفكر الإسلامي محمد جميل منصور، على القانون الجديد قائلاً: “لا شك بأن هناك توسعاً مبالغاً فيه في الحديث عن الأمور والعناوين التي أشار إليها مشروع القانون، وأنه لم يعد كثيرون للأسف يفرقون بين النقد والشتم، وبين تقويم السياسات والوقوع في الأعراض، واستسهل البعض من هذا الكثير إثارة المواضيع الحساسة والمؤثرة على وحدة وتماسك الوطن والمواطنين على نحو تطغى فيه الإثارة وربما شيء من التحريض والكراهية؛ ومعالجة كل هذا أو بعضه بالقانون مفهومة ومقبولة وربما مطلوبة، ولكنها مع ذلك مقلقة”.
وأضاف ولد منصور: ” للحرية ثمن يلزم الاستعداد لدفعه، فليس كل من يوظف جوها وجو الانفتاح ويستفيد منهما، يدرك الضوابط ويفهم الحدود، وقد يصعب التفريق والتمييز بينه وبين من يدرك ويفهم، ومن هنا يمكن التغاضي والتساهل في مراحل الانتقال نحو الحرية والديمقراطية، ونحن مازلنا في هذه المراحل، فالحنين إلى الكبت والزجر والتحكم قريب، والمصلحة تقتضي تحمل ضريبة الحرية ما وسع ذلك وأمكن”.
وتابع ولد منصور ملاحظاته قائلاً: “هيبة الدولة مهمة، واحترام رموزها وارد، وهذه الانتهاكية التي يمارسها البعض مبالغ فيها وإهانة للجميع؛ ومع ذلك أهم ما يحصن الهيبة ويضمنها: الإنجاز والعدل والقيام على أمر الناس بإنصاف ومساواة ونفاذ أمر؛ وأنا أخالف ميكيافيل، وأرى أن الجمع ممكن بين أن يهابك الناس ويحبوك”.
القدس العربي