“روصو” .. خذ خيرها ولا تجعلها وطناً

هنا روصو، إحدى أعرق مدن الضفة، والبوابة الرئيسية لأرزاق موريتانية قبل وبعد الاستقلال.
تراجعت أهمية المعبر الحدودي إلى حدٍ ما، بُعيد إنشاء ميناء نواكشوط المستقل، واختنقت المدينة تماماً جراء إغلاق المعبر عقب أحداث إبريل 1989، ومنذ ذلك التاريخ لم تستعد روصو كامل ألقها حتى الساعة..
مايزال البعض هنا يرى أن أحداث 89 لم تكن سوى ضربة سياسية للمدينة ولولاية اترارزة، التي كانت تعتمد بشكل كبير على مغتربيها في الجارة الجنوبية، والذين سيطروا على تجارة التجزئة في السنغال ردحاً من الزمن.
تضررت ولايات عديدة من التبعات الاقتصادية لتلك الأحداث، لكن هدف الضربة الموجعة، حسب البعض، هوّ إعادة اترارزة تحديدا إلى حظيرة الولاء السياسي للنظام، وتجريدها من كل أسباب الاستقلال الاقتصادي، في وجه أول دستور ديمقراطي، وأول استحقاقات رئاسية تعددية في البلاد.
مع ذلك ظلت مدينة روصو عصية على الحزب الجمهوري، منذ أول انتخابات رئاسية في 24 يناير 1992 حيث كسبها أحمد ولد داداه بفارق كبير، رغم تقدم ولد الطايع في بعض القرى التابعة لها..
أتحدث عن مدينة روصو التي استجابت لدعوات مقاطعة نيابيات 6 مارس 1992 وشهدت تلك الانتخابات أدنى نسبة مشاركة في جميع مكاتب التصويت في المدينة..
ولاحقاً أصبح الحزب الجمهوري، ومن بعده الاتحاد من أجل الجمهورية، يُعولان على القرى المحيطة بروصو لتأمين الفوز..
أطر المدينة بقية مما تركت الأنظمة السابقة، حالهم كحال أطر اركيز، والمذرذرة، وبتلميت، وكرمسين، ووادي الناقة، منهم ظالم لنفسه بادعاء وزن هو أخفُ منه بكثير شعبياً، ومنهم مقتصدٌ في التحالفات، يحاول جُهدَه مزاحمة كبار الداعمين.
يترقب سكان روصو كارثة المطر، فكل مطر هو كارثة حقيقية بالنسبة لهم، حيث تتقطع أوصال المدينة، ويبدأ موسم معاناتهم السنوي..
يرون هنا أن الحكومات المتعاقبة تتخذ منهم موقفا واحداً وموّحداً “خذ خيرها ولا تجعلها وطناً” في إشارة إلى كونها سلة غذاء نواكشوط، ووجهة أكبر الاستثمارات في المجال الزراعي.
يتفرجون عن بعد على طرق في الكلمتر7، بعيدة كل البعد من مناطق الخطر، كلفت ميزانية الدولة 12 مليون دولار، ويتنفسون روائح شبكة صرفٍ صحي عفنة ومُتآكلة، مع أنّ مُجردُ ترميمها، كلّف ميزانية الدولة، في نهاية العشرية، مبلغ 230 مليون أوقية، ذهبت أدراج الرياح.
وفي كل مرة تعود ساكنة المدينة إلى عادتها القديمة في معارضة النظام، حتى أنهم صوتوا بـ”لا” للتعديلات الدستورية، في أغشت أغشت 2017 ، بل قاطعوا التصويت في الغالب، مع أن تلك التعديلات لا تعدو إقامة مجالس جهوية منتخبة بدلا من مجلس الشيوخ، وتعديل العلم الوطني بإضافة خطين أحمرين “لتثمين تضحية شهداء” المقاومة.
يبقى الموقف السياسي لساكنة روصو هو ذاته، ويبدو أنه موقف ثابت من المنتخبين والأطر، ولعل ذلك ما أظهره نوع الحضور الشعبي لمهرجان حزب الاتحاد يوم أمس، حيث تفاجأ رئيس الحزب نفسه بحضور أطر روصو وأطر جميع ولايات اترارزة، وغيّاب جماهير روصو عن المهرجان.
المرة الأولى التي يحصل فيها مرشح من خارج المعارضة على أغلبية الأصوات في مكاتب روصو المدينة كان الرئيس محمد ولد الغزواني، بل إنه اكتسح جميع مكاتب التصويت في أحياء”مدينه”و”انجوربل” و”الصطاره” وهي المعقل الدائم لمعارضي كل الأنظمة المتعاقبة.

“عبد الله اتفغ المختار”

شارك هذه المادة