نظرة في گاف من گيفان الشور:باته البراء…..

جِلِّيتْ اتْنَهْوَل فَأزَوَانْ @ لُلُوفْ اعْلَ لُلُوفْ ؤُگُوفْ @
اتْأمَّنْ بِيهْ إفْبَلْ الْمَانْ @ وِاتْخَوَّفْ بِيهْ إفْبَلْ الْخَوْفْ@

هذا الگاف من أشهر گيفان شور ” مَشُّو لِمْعَيَّطْ شَوْرْ الشَّوْفْ”
فقد بهر صوت جليت الشاعر حد الافتتان وعبر عنه حد الإبداع.
استهل النص بذكر اسم الفنانة “جليت” ليكون الگاف ملكا لها لا يمكن لفنانة أخرى أن تدعيه أو تسطو عليه، وذِكْرُ اسم الشخص في متن النص ميسم جمالي يحبذه متذوقو لغن، فيقولون (هذا الگافْ إنَوَرْ)، وهي استعارة مستمدة من حقل الماشية؛ حيث يَسِمها أصحابها بعلامة تميزها عن غيرها من المواشي، ولذا حرص كل قوم على وضع ميسم خاص بهم يثبت ملكيتهم للسائمة، فبمجرد أن يرى العارف الميسم يحدد العشيرة التي تملك القطيع، بل يحدد أحيانا مالكه.

والشاعر أراد لگافه أن يكون ملكا للفنانة جليت لا ينازعها فيه منازع، وما ذلك إلا لما أثاره شدوها وعزفها في نفسه من لذة فنية ولدت لديه لحظته الشعرية الآنفة.
وقد وفق في تصديره النص باسمها: (جليت) فجعلها مبتدأ له الصدارة كما أن لها في الهول الصدارة، وجاء خبر المبتدأ جملة فعلية ممتدة: ( اتْنَهْوَلْ بَزَوَانْ لُلُوفْ اعْلَ لُلُوفْ ؤُگُوفْ) لتستكمل الجملة الاسمية مبناها ومعناها، وتأتي الجملة الفعلية التابعة لها حالية تعضد وتفسر الجملة الخبرية السابقة.
وأجاد الشاعر في وصف هول الفنانة؛ فإطرابها لا يقتصر على جمهور محدود وإنما هو يوم مشهود تحشد له الحشود (اتْنَهْوَلْ بَزَوَانْ@ لُلُوفْ اعْلَ لُلُوف ؤُگُوفْ)، جاء نعته لهم بالوقوف تأكيدا لكثرة العدد، وكذلك توقا وحرصا على متابعة الفنانة ورؤيتها عن كثب وهي تداعب الأوتار وتردد الأشوار.
ولم يقتصر وصفه إطرابها على كثرة الحضور بل تعداه إلى جعل فنها أمرا خارقا يكيف ويشكل حياة الإنسان في لحظاتها الأساسية؛ لحظات الرجاء ولحظات الخوف، حيث يجعله شدوها الراقي يعيش أهنأ لحظات الطمأنينة والمتعة في ساعة الأمن، وبالمقابل تستثيره وتبعث فيه النخوة ليحسن المواجهة في لحظات الخوف؛ وهي صورة بلاغية عتيدة لا تقتنصها إلا يدٌ صناعٌ تعرف كيف تشكل الكلمات، وكيف تبني النغم الموائم للحالة النفسية.
لقد قامت الصورة في الگاف على المقابلة بين لحظات الأمان ولحظات الخوف، وعلى الجناس الاشتقاقي في كلتا الكلمتين، وعلى التوازي التركيبي كذلك:
( اتْأمَّنْ بِيهْ إِفْبَلْ الْمَانْ@ وِاتْخَوَّفْ بِيهْ إفْبَلْ الْخَوْفْ)،

لقد اختار الشاعر الكلمات اختيارا دقيقا بحيث استدعي كل فعل مصدره تلقائيا عبر الجناس الاشتقاقي، وأجزم أن الشاعر لم يقل غير ذلك: (اتأمن/ المان- اتخوف/ الخوف)، ثم جاء التوازي التركيبي ليعضد الصورة والإيقاع: حيث تتماثل اتافلويت الأولى مع الثانية في نوع الكلمة وفي رتبتها:
فعل+ شبه جملة + شبه جملة+ مضاف إليه.
(اتأمن بيه إفبل المان @
واتخوف بيه إفبل الخوف@)

فهول الفنانة ذو تأثير محوري في حياة الإنسان حيث يجلب الأمان والاطمئنان في لحظات الرخاء، ويستدعي التحفيز والتشجيع في لحظات النفير والحرب، ولعل الشاعر بإسباغه هذا الوصف على الهول يقتبس دون وعي من الآية الكريمة:
(وهو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا)

إن لحظتي الأمان والخوف هما اللحظتان المتحكمتان في حياة الإنسان، فلا يمكن أن تخلو حياته منهما، وهكذا يصبح هول جليت يكيف سامعه ويؤثر فيه حسب اللحظة التي يعيش، إنه شدو يصنع المستحيل الفني بحق، وكأن الشاعر الموريتاني يحيل إلى قول المتنبي عن كلماته:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي*
وأسمعت كلماتي من به صمم*

ومن الجميل في النص أن گاف الشاعر جاء وفيا ل “ظهر الشور”: (مشو لمعيط شور الشوف) وهو ما ينسجم مع التافلويت الأخيرة: (وِاتْخَوَّفْ بِيهْ إِفْبَلْ الْخَوْفْ)، ولمعيط عادة يكون نذيرا للقوم، ولذا عليه أن يصعد المرقبة ليستجلي ما وراء الأكمة.

شارك هذه المادة