“عادات”الموريتانيين في الأعياد……..


منذ دخول الإسلام إلى هذه الربوع، وأهلها يحتفلون ويَتَحَفَّلُونَ في الأعياد الشرعية؛ كالفطر، والأضحى، وعيد المولد النبوي الشريف. وهي أيام فرح وسرور تلبس فيها الزينة، وتقام لها الولائم، ويتبادل الأصهار الإكرام والاحترام، ويحضر الأزواج، ويعد تخلفهم استهانة بالزوجات إلا لعذر، وقد أنشد أحد الأدباء في ذلك:
يَلاَّلك يَـحدْ فَـــطْرَكْ *** راهُ شرگْ افْمالْ
وفْبوتلميتْ حَصرَكْ *** تِـتگار أَرَحَّــالْ

وقيل إن الأديب محمد ولد محمد اليدالي، أرسل في طلب صاحبه واشترى منه بضاعته؛ كي لا يتأخر عن شهود العيد مع أهله. وقد عالج الأديب الولي بن الشيخ يبَّ نفس الغرض في كافه الجميل:

يلّالِ مَگْرَبْ ذَا الْعِيدْ * عَادْ ومَبْعد بَلْشانَ مِنِّ بَعْدَانَ، مَا ابْعِيدْ* شِ گاعْ اعلَ مُولانَ

و على ذكر “بلشان” – ومن باب التداعي الحر-، فقد ذكرها الشاعر المصقع ابوه بن لسياد اليدوكي، عدة مرات في شعره من ذلك قوله وقد أجاد في الجناس التام:

يا درة أشبهت في الحسن مرجانا*** لا تقطعي من حبال الوصل مرجانا
غراء ما إن يرى أسنانها ورع *** إلا وبات مع الشيطان وسـنانا
كانت ببلشان قبل اليوم فارتحلت ***عـنها ومـا زاد ذا بلشان بل شانا

ينتهز الموريتانيون فرصة الأعياد، للتزاور والتواصل والتسامح، فيدخل الرجل بيت الجار الجُنُبِ والصاحب بالجنب، مهنئاً وطالباً التحلل من حقوق الجار الكثيرة، ورغم أهمية هذه العادات في نشر روح التسامح بين أفراد المجتمع، إلا أن الشيخ سيد أحمد بن سيد عثمان بن مولود القلاوي، أفتى بعدم حليتها؛ لشبهة لقاء الأجانب، وذلك في نظمه الشهير الذي يقول في أوله:
يا طالبا بالوصل نيل الأجر *** ليـس بوصل العيد غير الوزر
أما دخـول الدور يوم الفطر *** فليس ممدوحا بـهذا القطر
لأنه يوم تـبرج النسا ***ومـن يـبحه للورى فقد أسا
إلا لمن غض عن المحارم *** طرفا ولـم يصغ لقول آثم

تعني لفظة العيد عند الإطلاق – في هذه الربوع- عيد الأضحى، وأحيانا يسمى “عيد الحم” أما عيد الفطر فينطقونه بفتح الفاء، ويزيدون واوا في عيد المولد، ومن تعظيم الموريتانيين للأعياد الشرعية أنهم كثيراً ما يبرمجون مناسباتهم الاجتماعية بالتزامن معها، ويطلقون أسماءها على المواليد التي يزدادون بها كالعيد والمولود والفاطرة …

ومن باب التورية بألفاظ العموم من الفقه، تأتي أبيات الشيخ محمد عالى بن زياد الأبهمي، التي ورى فيها بحرمة صوم يوم العيد، وندبية صوم النصف من شعبان، من خلال استخدامه لاسمي رجلين أكرمه الأول وقصر الثاني في حقه فقال:

لله حـكم على الأيام مختلف*** فـمنه ماهو ممنوع ومطلوب
فحرمة الصوم يوم العيد لازمة *** ويوم شعبان فيه الصوم مندوب

ومن ذلك الباب أيضا، قول القاضي الأديب محمذن بن محمدفال (اميي) ، وقد أجاد في مراعاة النظير:

كِنْتْ أَمْنَادِمْ مُفِيدْ *** غِيرْ أثْرَكْ عِتْ اتْزِيدْ
أيَّامْ الفَطْرْ ابْعِيْد *** يَـخَيْ امْنَيْنْ أُفَاوْ
وُفَاوْ أَيَّامْ العِـيدْ *** وَ الْعِيدْ أهْلُ مَاجَاوْ

دائما يكون العيد مناسبة لرفع قيمة الاستهلاك والصرف، ومن الطريف أن هذا التلازم لم يخص التقاليد الموريتانية، بل تعداها إلى العلوم المحظرية، فها هو النحوي الشهير محمد بن مالك يجمع بين الصرف والقيمة والعيد في ألفيته الشهيرة بقوله في باب التصغير:

واردد لأصل ثانيا لينا قلب *** فقـيمة صير قويمة تصب
وشذ في عيد عُـييد وحتم *** للجمع من ذا ما لتصغير علم

تتحد مختلف الجهات الموريتانية في مظاهر الاحتفال بالأعياد، فبعد الصلاة يخرج الرجال للتزاور، كما يبدأ الأطفال التجول في أزقة المدن، يرتدون ألبستهم الجديدة الجميلة، وربما طلبوا من بعض الكبار العيدية أو “انْديونَه” وهي كلمة ولفية تطلق على الدعاء الذي يعقب صلاة العيد، وقد خصتها غلبة الاستعمال بهدية العيد فصارت علما عليها. يقول صديقنا الأديب المبدع باركلل بن دداه:

امْبَارِكْ العِيدْ وِاسْمَاحْ لَعَادْ *** مَطْلُوبْ رَانَّ سَـامْحِينْ
وِ انْدِيوْنِـتْنَ عَاطِـينْهَ زَادْ *** مَانَّ بَاخْلِينْ للِنَّاسْ كَامْلِينْ

أما الفتيات فيخرجن في زينتهن زرافات ووحدانا، وغالباً ما يكون ذلك ضحوة يوم العيد، يقول الشيخ الأديب المختار بن حامد :

وببدر تم مشرق في وجهها *** و بفرعها الليل البهيم الساجي
و بها غداة العيد بين الغيد إذ *** يخـتلن في حلل من الديباج

كما أشار الشيخ امحمد بن أحمد يوره، إلى خروج الغيد ضحوة العيد، في أبيات عقد بها حكم المعلوم بالنحر والمعدود بالرمي، والطريف أنه بدلا من أن يذكر عزو الفائدة – كعادته- ، اختار ضبط وقت تحريرها، ولا يخفى ما في ذلك من الإبداع والتناغم مع الموضوع، وقد تصرفت قليلاً في البيت الأخير :

يوم الأضاحي يومه معلوم *** وغـير معدود وذا معلوم
و بعد يوم عيـدنا يومان *** يا صاح معدودان مـعلومان
و ثالـث الأيام عكس الأول *** و غـير ذا عليه لم يعول
نظمت ذا ضحوة يوم العيد *** قبـل خروج الغيد في الجديد

من المعهود في القرى الواقعة في ولايتي اترارزة ولبراكنة، تنظيم حفل فلكلوري، بمناسبة العيد، يطلق عليه “طبل العيد” أو “اللامَ” وإن كان اللفظ الأخير يطلق على الاجتماع ،سواء كان في عيد أو غيره. يقول الشيخ الأديب امحمد بن شماد
امْجِ لِلاَّمَ عِمْرانَ* وَكْفِتْهَ هِيَ لَكْصِيَ كِيفْ الفَاتْ اعْلِيَ وَانَ* وَاللهِ مَا فَاتْ اعْلِيَ
ويقول الدكتور الأديب جمال بن الحسن – رحمه الله- متعجباً من تقلب صروف الدهر:

سُبْحَانكْ يَالحَيْ المَجِيدْ *** مَانِ لَكْ مِنْ فِعْلكْ شَاكِ
عِتْ آنَ نَسْمَعْ طَبلْ العِيْد *** تَاكِ وِ انْـتَمْ الاَّ تاَكِ

تبدأ تحضيرات الحفل بعد العصر ويبلغ أوجه قبل الغروب، حيث تتعالى أهازيج الفرق الفنية، ورقصاتهم الشعبية… وتصور لنا أبيات الشيخ الأديب أحمدُّ بن اتاه بن حمينَّ، التناغم الجميل بين الراقصات عندما قال:

غوان بيوم العيد تضرب بالدف *** و تضرب في تَفنانها الكف بالكف
و ترقص في الميدان في ميلانها *** لذا العـطف في آن و آن لذا العطف
و يضربها الحلي الذي في قرونها *** على الخد في ذاك التثني على لطف
يغنين وَفقا في رخاء و شدة *** لضاربة الطبل الرئيسة للصف

أما الشاعر الأدبب محمد محمود بن ففا، فقد صوب عدسته نحو الجمهور وصور لنا مشهداً حياً عاشه على هامش “طبل أحد الأعياد فقال:

و غانية حسـناء في جانب الدف *** تمـــــيل لها الفتيان من فرج الصف
فلا هي ممن يحسن الرقص و الغنى *** و لا هي ممن يضرب الكف بالكف
كشفت حجاب الستر بيني و بينها *** و لا عيب في شيخ إذا كان ذا كشف

عادة ما يكون يوم الزينة موعداً لاختيار المرأة التي “ستشيل رأس النعامة”، وهي عبارة ذات دلالة جمالية؛ وتعني حيازة قصب السبق في الأناقة والأنوثة، أما أصل اشتقاقها؛ فيرى البعض أنه متعلق إما بسرعة النعامة أو في علو رأسها لطول رقبتها، وقد قيل فيه غير ذلك… أما “شالت نعامته” التي وردت في الشعر العربي؛ فتعني معنى مخالف تماماً لذلك.

ويلعب الشباب الأدباء دور المحكمين، ويعلنون اسم خاطفة رأس النعامة، عن طريق نص شعري فصيح أو حساني، تتلقفه القيان وتسير به الركبان، ولا يصرح الأديب في الغالب باسم الفائزة، لكنه قد يضمن نصه قرينة يحصل بها تمييزها عن غيرها.

وتوجد نصوص جيدة في ذلك اللون الأدبي، لدى بعض الثقافات العالمة، وسنورد نماذج منها تكون كالعنوان على غيرها، يقول الشاعر المجاهد سيدن بن أحمد الشيخ الوافي الكنتي – حفظه الله- في إحدى قصائده يذكر بطحاء “تَلْمَدِ” الموجودة في مدينة الرشيد:

وشالت نـعام الغيد بالثغر والخد *** من النسوة اللائي أقمن بتلمد
تميس كغصن البان أخضله الندى *** فيا لك من ميس ويا لك من خد

ويقول شاعر آخر وقد أجاد في حسن التعليل:

لقيت في الواد يوم العيد غانية *** شالت لرأس نعام الغيد والرقبه
وقد رمتني بسهم لا مرد له *** والرمي في العيد قد خصوه بالعقبه

وقال الشيخ محمذ بن أحمد العاقل رحمه الله في ذلك المعنى:
رأس النعامة في أحياء ديمانا *** يمش الهوينا على أحقاف بلشانا
ولأحد الشعراء الفاضليين :
رأيت فتاة الغيد في العيد شالت *** على ربرب البتراء رأس النعامة
بيد أن الشاعر أبوه بن لسياد، لم يجد في “غيد اللامة” من تستحق اللقب فصرح بذلك قائلا:
رأس النعامة بالتحقيق ما نيلا *** كلا و ما نيل بالحَنا و لا النيل

وفيما يتعلق بشعر الحسانية، فيعتبر الشيخ الأديب أحمد سالم بن الداهي – رحمه الله- هو أبو عذر غرض “فيش الغيد يوم العيد” وحامل لوائه في الجنوب الموريتاني، فقد شاعت امريم بنت اباه وعيشة، ولحبوس ولِخديدْ، بعدما ذاعت وأذيعت النصوص “المرفودة” التي شكل من خلالها الأديب المبدع نواة صلبة لتأسيس غرض جديد من التشبيب، يتميز عن الغزل والنسيب، أنار فيه لاحباً سافه المتأخرون فقفوه، بعد ما رامه القدماء فأشووه، من ذلك قوله:

ذَ عِيدْ المَوْلودْ الَّ عَادْ *** امْنْ أعْيَادْ امْرَيَّم وَأعْيَادْ
امْرَيَّمْ مَا كَـطُّ لَغْيَاْد *** حَـصْرُ مَا رَاحُ وِانْكَصْرُ
وادَّلَّاوْ اعْـبَانِيهمُ زَادْ *** وَللَّ بِكْمُ وللَّ بِصْرُ
وامْرَيَّمْ يَوْمْ العِيدْ إلْهَ *** مِنْ سَعْـتِنْ يُصَّلَّ عَصْرُ
مَا يَبْگَ شِ مَا طَاهْ الْهَ *** مُولانَ وِاعْـــطَاهَ نـَصرُ

ينتهز التجار فرصة الأعياد، فينزلون إلى الأسواق موضات جديدة من الألبسة، تتلون أسماؤها حسب مستجدات الساحة الإعلامية و الأدبية، وقد شاعت موضة “الشارع” الشفافة، في الشوارع مطلع السبعينات، فلم يفوت الأدباء اقتناص فرصة التسمية،فتفاعلوا معها في الحال وأبدوا وجهات نظرهم حولها، يقول الشيخ المختار بن حامد رحمه الله:
تجول الغـادة في الشارع *** يذهب من جمالها البارع
إذ تـذرع الشارع مختالة *** في مشيها كالفارس الفارع
لا هي بالمروءة استمسكت *** و لم تـراع أدب الشارع

وفي نفس السياق، كتب القاضي الأديب محمدن بن شماد رحمه الله، النص التالي وقد أجاد في الجناس التام والمتمعن للنصين يرى أنهما في غاية الوئام والانسجام.

الشَّارِعْ حَرَّم فَاتْ البَاسْ *** الشَّفَافْ إعلَ بَعْضْ النَّاسْ
وَانَ بَعْـدْ ءُلانِ قِيَّاسْ *** بـِيَّ گاعْ الْ مَـانِ بَارِعْ
فالحُكْمْ أُ لاهُ مَـاهِـباسْ *** مَخْبـَـرْنِ فَحـْكَامْ الشَّارِعْ
گِدْ اللِّ نَعْرَفْ عَنْ لَرْيَامْ *** اللٍّ تِسَّدّرْ فِالشّارِعْ
فِالشَّارِعْ تَحَدِّي لَحْكَامْ *** الشَّارِعْ وَ آدَابْ الشَّارِعْ

وقد وظف الأديب الأريب ول محمد العبد موضة حلي قادمة من السنغال تعرف بالمقداد، في التعبير الضمني عن شدة بياض بشرة إحدى الحاضرات للاَّم فقال:

كِثْرُ لِمْقادِيدْ افْذَ العِيدْ *** افرَگبتْ كِلْ امْرَ مِقدَادْ
أكْحَلْ غِيرْ أكحَلْ لِمْقاديدْ *** مِقدَادْ افرَگبْتْ مِنتْ أجْدَادْ

يعقوب اليدالى

:

الأخير :

:

:

:

.

:

:

ل

:

أ

.

شارك هذه المادة