حين هممت بالحديث عن الوالد محمد عبد الله ولد محمد ماء العينين ولد محمدو ولد انباب رحمة الله عليه (ابياه، علما)، حارت نفسي من أين أبدأ وبما أبدأ.
فقد وجدتني أمام ما أسميته “زحمة الخصال الحميدة”. فهل أبدأ بالحديث عن الشخصية السياسية القيادية الفذة ذات الحضور المتميز والتمثيل المشرف والرأي الحصيف والنجدة السريعة ؟
أم بعابد قليلا من الليل ما يهجع، يتجافى جنبه عن المضجع، يدعو ربه خوفا وطمعا، يتقلب بين صلاة وزكاة وصوم وحج.
أم بجواد يدعو الجفلى، لا ينتقر. آدب ألى جفان غرّ بيض يشرقن بالدجى يحملن ما اكتنز
لحما وطبق شحما، بمحيا طلق ينبئ مظهره عن مخبره وبذله عن حاتميته.
في شريط التفكير هذا حضرني گاف الأديب محمد عبد الله ولد التمين حفظه الله :
أفعال الغلظ الْ تُفگّد
والكرم الما فيه إشابہ
اتفگد بعد ابمحمد
عبد الله ولد انباب۔
ولئِن درجت الأعراف على منهجية محددة في تناول الأعلام تبدأ بالميلاد والنشأة مرورا بالتربية والدراسة والمسار المهني او الوظيفي وانتهاء بالآثار و الوفاة، فإنني خلافا لذلك سأختصر في الالتزام بتلك المنهجية، واحاول أن اتتبع حياته رحمه الله من خلال مراثيه باعتبارها شواهد من عدول عايشوا الرجل عن قرب وخبروه حضرا وسفرا، فكانت مراثيهم ناطقة بتفاصيل حياته شافية الغليل مقدمة مجمل الخصال التي ميزت الرجل في حياته٠
ولد ابياه رحمة الله عام فشت 1908 وتوفي في 9 مايو 1994 بانواكشوط ودفن في مقبرة انعيمات(حوالي 100كلم شمال تفيريت) مع والده وجده وإخوته وبعض من أفراد عائلته٠
ونستهل تتبع مناقبه رحمه الله من خلال المراثي بالمكانة القيادية التي كان يحظي بها في قومه.
يقول محمد ولد الكرار رحمة الله عليه في مرثيته التي مطلعها :
مالي أراك وجفن العين قد سالا
بالدمع يجري على الخدين تهطالا
إلى أن يقول :
محمد الشهم عبد الله خير فتي
سما إلى المجد أقوالا وأفعالا
قد كان كالمثل الأعلى لذي شرف
واضرب به إن تشأ للناس أمثالا
نصرا قبولا و علما نافعا وحِجَى
يبدي الحقائق تفصيلا وإجمالا
ويصلح الأمر طب بالأمور إذا ال
أمر الجليل إلى تدبيره آلا ٠
ومن تلك المراثي التي تتضمن الحديث عن اهتمامه بالشأن العام مرثية المرحوم القاضي محمد محمود ولد اللا حين يقول :
لقد فقدت تاشمش سيدها ومن
يحافظ إن جو الحفاظ تأزما
وفِيٌّ تقيٌّ عالم عامل به
ولم يخش إلا الله من زانه علما
و ما رابه ريب الزمان عن أن يُرى
صبورا على العلات جلدا معظما
وإن طرقت إحدى الليالي بمؤلم
ولو لبعيد أو عدو ولو هما
لجاد له بالنفس والمال حسبه
و ما لقي الأظفار منه تقلما
فصبرا بني يعقوب عُظم مصابكم
فما دفع الرحمن قد كان أعظما.
وفي نفس السياق يقول المختار ولد اباي رحمة الله عليه:
صبرا لقد ذهب الإمام الأطهر
عبد الإله فهل لذلك تصبّر
طود تشامخ في المكارم بيننا
يلقى القبيل به القبيل فيفخر
ما نام قط على الغضاضة طرفه
يوم الهياج إذا تناوم معمر
خلعت عليه من المكارم شيمة
تبهى المطارف بينها يتبختر ٠
وفي ذات المنوال — و اكثر — ما رثاه به الأديب سيد محمد ولد بديه ولد أبي المعالي حفظه الله ٠
ول انباب كان الْ لعمام
زعيم ؤمسلہ معروفہ
وٌاحفول اجماعتهم وِاِمام
وَاَغلاهم وازْينهم شوفہ
يول أشياخي يلنختير
عن غيرك يلعارف لمير
يلعطاي اللّي للفقير
والطامع تعطي لا خوفَ
يَمير الشُعارَ يكبير
العباد اللي مشيوفہ
قايدنَ يخيار الظمان
يالنقيب اللب معروفہ
يخيار اللي خلّ حسان
يكبير العلمہ والصوفہ
تعطيه الجنه والرضوان
و النعيم الْ مالو موف
لولاد اسيدو واِتمُّو
ساده من ساده مالوفہ
كيف اجدودو وابْني عمُّو
لسادو مده منصوف٠
ومن مراثي الأدب الحساني مرثية ابن اخته محمد سالم ولد دحمود :
انگول ؤ يسو متهم
يگطع بالترشه فاش ادير
عنك منصور ؤمتگدم
وٌامشيت افلخلگات اكبير
امنادم شافك تتكلم
فالمجلس مانك متلثم
مسموع الكلمه تتبسم
زيَّك زين ؤوجهك نضير
تنصح وُاتوصِّي وُاتسگم
لاهل الخير أيديهم فلخير
يتيقن عنك يمك يم
أمير أنت كنت أمير
يعرف عنك عندك شي فم
عاطيه العزيز القدير
وبخصوص العبادة من قيام الليل و تلاوة القرآن و الاستغفار والتسبيح، فإنّ المتتبع للمراثي يلحظ حضور هذا الجانب في حياة ابياه رحمه الله.
يقول محمدو ولد محمد المامي رحمة الله عليه:
قيام الليل اعليه دام
والصوم ؤلاهُ ساهي
عن بعد الموت افكل عام
محمد عبد اللهِ !
ويقول محمد مختار ولد بلبلاه رحمة الله عليه:
ذاك شمس الهدي محمد عبد ال
له من قام للعلا احتسابا
بين أردان ظلمة الليل والقط
ر وبحر المحيط يرمي الضبابا
راكعا ساجدا تقيا سخيا
صائما صابرا لبيبا لبابا
كان يبني اذا تبوأ ارضا
منهج الناس جيئة وذهابا
مسجدا للزوار في حافتيه
خيم جود رفعن رفعا قبابا٠
ونستمتع من ابنه محمد ولد ابياه اطال عمره :
جرت بخطبك ألسن الخطباء
وبكت عليك صنائع العظماء
حارت بك الألباب هذا شاهد
أن عشت بين عبادة ودعاء
ما إن تُرى طولَ الهواجر صائما
أو قائما في الليلة الليلاء
تنهى و تامر في الإله و تقتفي
سنن النبي وصحبه الخلفاء
ولم تخل المراثي مما كان عليه رحمه الله من كرم و شهامة وسند للجميع.
يقول الشاعر ممود ولد بلبلاه حفظه الله:
كيف صبري و قد تعالى النداء
نُعِي العلمُ والتقى والسخاء
فَقَد الدينُ والمروءة عينا
من قبيلي عنها يعزّ العزاء
الإمام ابياه بحر المعالي
قمر العلم والتقى بل ذُكاء
سند القوم والعشيرة شهْمٌ
من أولي الأمر مَن بهم يُستضاء
و محطّ الرحال من كل فج
كل وفد يُنيله ما يشاء
السري الطود الشجاع الكريم
المرتضي حامل اللواءِ اللواءُ
مَنْ لجار و قارئ و قريب
كان ياتيه منه ماءٌ و زاد
من به لليتيم والضيف والم
حروم والمجتدي يحف الرجاءُ.
ومن ذلك رائعة المرحوم محمدن ولد عبد الرحمن (ولد أسلم) التي رثي بها ابياه رحمة الله عليه حيث يقول :
قال طه اذكروا محاسن موتا
كم وقفوا لما المشفع قالا
قد شهدنا بما علمناه حقا
و لما قاله الرسول امتثالا
أنه كان للعشيرة كهفا
وملاذا و ملجأ و مثالا
كان للأقربين مأوي وعونا
و اليتامي والمُرملين ثمالا
كم كسا ذا ثوبا وذاك رداء
و سراويل ذا وذاك نعالا
كم كسا ذي مُلاءتين وهذي
وكسا ذي دمالجا وحجالا
كم لهذي وتلك ملك نوقا
ولهذي وذي وتلك جمالا
كم إلى بابه ذوو الحاج جاؤوا
وأناخوا به وحطوا الرحالا
فتلقوا أهلا وسهلا ورحبا
بعبارات اريحيٍّ توالى
وأُنيلوا شواء لحم ورِسلا
وكؤوسا من الأتاي عجالا
ومزاياه حصرهن لساني
و نظامي بهن كلّا كلالا٠
ونختم هذه المراثي بالمقاطع الشعرية التي حوت الدعاء للمرحوم ابياه و لبنيه وذويه
يقول الأديب محمد عبد الله ولد عمتر :
أيا روضة “النعماء” يا دوحة الفضل
سقاك إله العرش منهملَ الهطل
فقد كنتِ قبل اليوم في الفضل غاية
و ما كان ظني أن تزيدي من الفضل
إلى أن أتاك الغوثُ عابدُ ربه
سليل الأولى حلوا بظلك من قبل
أعد له مولاه فيك مُقامًه
وحٌزتِ به في الفضل مثلا على مثل
فيا رب فارحمهم جميعا وأولهم
بفضلك من نعماك وَبْلا على وبل
بجاه رسول الله جد أبيهم
وبارِك إلهي في البنين وفي الأهل.
ويقول المرحوم محمد محمود ولد اللا :
ألا يا بني الأعمام قوموا فإنّكم
وإن جدتمُ لم تخلفوا الندب محجما
تلا يا بني انباب لا زال فيكم
له خلف يبني الذي قد تهدّما
وأما الأولى ضحوا و بلقيس أمهم
فقد حملوا أعباءه الصعبة العظمى
” محمدُ” شمّر ثم أبشر فإنّه
عزيز على تهل الأراضين والسما
تقلدك “الأعمام” بالأمر بعده
لتحمل عنها كل ما خصّ أو عمّا.
ويقول المختار ولد اباي رحمة الله عليه :
(…)
بقي البنون سيبلغون مقامه
وسيخلفون وهم بذلك أجدرُ
لا سيما الشهم الأغر “محمد”
فالشكل في النسب الحسيب ميسر.
ومن الدعاء كذلك ما رثاه به المختار النش ولد محمدو الولي أطال الله عمره :
رب إذ سار إليكم واقتفى
سنن الرسل أولِي العزم الرسل
أًوْلِهِ الجنة يأوي ظلَها
والبسنْه حُللا فوق حلل
أيها السادة أبناءً الفق
يد الكريم الماجد الشيخ الأجل
ربنا يرعاكمُ من بعده
فهو بالعبد رحيما لم يزل.
وعلى نفس النهج يقول محمد سالم ولد جدي اطال الله عمره :
(..)فحباه الإله فردوس عدن
و شرابا من الرحيق المصفى
و جوارَ النبي من فضل ربي
مجزيا فعله الذي كان وفى
ثم لا زال في بنيه عُلاه
و اكتسابُ الثنا إذا الندب كفا.
وعودة إلى مرثية محمدن ولد عبد الرحمن (ولد أسلم) :
وبحمد الله خلف فينا
خلفا راق نسوة و رجالا
ورثوه شهامة وسماحا
وحياء و بهجة وجمالا
لم يكونوا لدى القدوم أذِلا
لم يكونوا عن الجميل كسالى
تحسب البدء منهم من تلاقي
وإذا تلق ثانيا قلت : “لا، لا”
بارك الله في بنيه وفينا
و ذويه الكبار والاطفالا٠
ومنه قول محمد يحي ولد عمارو رحمه الله :
إن يكن تغيّب الجسم منه
فالمعالي لها الزمانُ يُبين
قدس الله روحه، وحباه
بجنان النعيم نُزلا يزين
درجات من ربنا وعد صدق
إن وعدا من الإله يقين
فهنيئا لنا بغرّ بنيه
فبنوه الأباة ذخر متين
نشر الله صيتهم ووقاهم
حسد الحاقدين فهو الحصين
وختاما :
قد تكون هناك مراثي أخرى لم أوفق في الحصول عليها أو عجزت عن اختيار ما يناسب المقام منها.
وما كان خطإ إملائي أو نحوي أو عروضي أو غير ذلك فهو مني.
وأرجو أن يوجد من يكمل النقص ويصحح الخطأ و يسد الخلل
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جمع و كتابة :
صلاح ولد محمد فاضل ماءالعينين