لن يمر الثامن من يونيو دون أن يتذرك الموريتانيون تلك المحاولة الانقلابية التي قام بها عدد من أفراد القوات المسلحة قبل 17 سنة من الآن بعضهم في الخدمة حينها وبعضهم خارجها والتي هزت عرش الرئيس السابق والحاكم القوي معاوية ولد سيدي أحمد الطايع
لم تكن المحاولة بدعا على الرجل فقد حاول كثيرون قبلها ولكنها كانت الأقوي بسبب الشراسة والقوة والقرب من النجاح
ورغم ما سببته من استشهاد أفراد من القوات المسحلة من أبرزهم قائد اركان الجيش العقيد محمد الامين ولد انجيان وآخرين فإنها ظلت محل تثمين من قوي سياسية عديدة اعتبرتها بداية نفراج من نظام دكتاتوري حكم البلاد بالحديد والنار لعقدين من الزمن
السراج تتذكر تلك المحاولة من إرشيف كتبته عنها سنوات ماضية
تسرب الشيب بكثرة إلى رأس وذقن الرائد السابق صالح ولد حننا، بينما غادر الرفيق محمد ولد السالك الحياة إلى عالم آخر أكثر عدالة ورحمة، وتفرق رفاق السلاح في دروب السياسة والمال والحياة الأخرى، بينما بقيت ذكرى الانقلاب حدثا قد لا يهتم به أكثر الفرسان أنفسهم.
ضد الديكتاتور
في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء 7/6/2003 سيطرت مجموعة من صغار الضباط على قاعدة الدبابات في نواكشوط وبدأ بعض عناصرها الزحف تجاه القصر الرئاسي حيث يقيم الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع الذي طالما امتن على الشعب الموريتاني بالأمن الذي تحقق في عهده.
دبابات أخرى تحركت من داخل قيادة أركان الجيش الوطني وحاصرت بعض القيادات العسكرية ووسط تضارب في الأبناء والمسؤوليات قتل قائد أركان الجيش العقيد محمد الأمين ولد انجيان الذي قضى وسط ركام شديد منع كشف حقيقة القاتل ومن يتحمل المسؤولية عن مقتل قائد الجيش المؤهل ” لقيادة البلاد ” بعد الإطاحة بالديكتاتور وفق ما أعلن عنه قادة الانقلاب لاحقا،لم يحظ ولد انجيان بأي تكريم من أي نوع كما لم يكن ملفا أساسيا في محاكمة الفرسان الذي يتبرأون من دمه ويتهمون النظام بالمسؤولية عن قتله.
فيما كانت طائرة عسكرية تؤمن المجال الجوي وتسعى إلى استكشاف تحركات أنصار الرئيس.
خلا القصر الرئاسي من ساكنه ولد الطايع وقتل أبرز قادة الحرس الرئاسي النقيب وداعة، مع بعض الحرسيين الآخرين،ووجد الرئيس ولد الطايع نفسه في مأزق متواصل، وكان البحث عن ملجأ آمن الخطوة الأولى ضمن خطوات التصدي للانقلاب الذي يستهدف بشكل عملي الإطاحة بالرئيس الديكتاتور.
وفي قيادة الحرس الوطني وجد ولد الطايع الفرصة لإدارة المعركة من جديد بعد أن وفرت له السفارة الإسبانية شبكة اتصالات حديثة مكنته من التشويش على اتصالات الفرسان وتجميع أكبر قدر من الأنصار المناسبين لخوض المعركة.
لاحقا ظهر أن سيطرة الفرسان على المعركة تتجه نحو التناقص أصبح تأمين الخروج الآمن الخطوة الأكثر أهمية بالنسبة لقادة الفرسان بعد أن أصبح حلم الإطاحة بالرئيس الأسبق معاوية ولد لطايع بعيد المنال في ظل تلاحم القادة الكبار في الجيش وراء مصالحهم المتمثلة في بقاء الرئيس ولد الطايع.
وبعد يومين من الأزمة خرج الرئيس معاوية ولد الطايع ليعلن السيطرة الكاملة على الوضع بعد أن تم تدمير معدات الانقلابيين ” دبابة/دبابة”
مسيرة الاعتقال
كان ولد الطايع أشبه بثعبان هائج يسعى للانتقام بقوة من ” صغار الضباط” الذين حاولوا إسقاط حكمه العشريني، أعاد ولد الطايع اعتقال أغلب العناصر المتهمة بالتورط أو المشاركة أو تقديم العون إلى فرسان التغيير
وبعد عمليات تحقيق موسعة وتعذيب بشع سمح ولد الطايع للقضاء بالنظر في ملف الانقلابيين وصدرت أحكام بالسجن المؤبد لكن يد القدر كانت أسرع إلى إزاحة ولد الطايع وتكسير قيد الفرسان الذين تشعبت بهم طرق الحياة، تشعب رواياتهم لما حدث وكيف حدث.
ورغم أن مدادا كثيرا قد أسيل حول ملف الانقلاب فإن نقاطا عديدة لا تزال غامضة، خصوصا دور المدنيين في التحالف العسكري الساعي إلى إسقاط ولد الطايع
أحلام شعب
لم تكن محاولة الانقلابية التي قادها ضباط فرسان التغيير حدثا معزولا عن الواقع السياسي والاجتماعي في البلد فالأزمة الخانقة واستبداد النظام واستبداد أفق التغيير جعل الانقلاب البوابة الأولى نحو الحرية الموعودة
الكاتب الصحفي حمود ولد الفاظل أحد الإعلاميين الذين رأوا في تلك المحاولة نافذة نحو الحرية “ليلة الثامن من يونيو آذنت بأصواتها المدوية ببداية عهد جديد، فقد كنت ذلك اليوم في منطقة “بغداد” الواقعة بين أصوات المدافع وطلقاتها القوية، كان الهلع والخوف باد على الجميع وكنت أحسب ذلك جزء من ضريبة التغيير المنشود”
لكن خارج سياق المدافع والصراع المحتدم شكل الانقلاب نفسا جديدا لقوى رفض الاستبداد”شكلت اللحظة بالنسبة لي كشاب ميلاد مرحلة جديدة نودع فيها عهد الاستبداد والفساد والانسداد…وبحماس شديد حملت أحلامي معي في السنوات الموالية للانقلاب” يضيف ولد الفاظل.
ماذا بقي من الانقلاب
رغم أن انقلاب ولد حننا كان المحاولة الأكثر جدية وقوة في سبيل الإطاحة بالرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع،إلا أن نتائجه العملية على مستوى منفذيه كانت ضئيلة جدا،حيث كانت الثمرة من نصيب آخرين وجدوا الفرصة سانحة لحرق المراحل.
بحسب المبادئ والمصالح العامة فقد كانت “المحاولة الإنقلابية في 08يونيو 2003 صرخة مدوية في وجه النظام وقتها لتقون له: نحن بشر ولنا كرامة ولنا دين وعلماء وثوابت يجب عدم المساس بها ” حسب تعبير الزميل محمد المختار ولد محمد فال المدير الناشر لصحيفة النهار
وبحسب ولد محمد فال فقد كان الانقلاب “لطمة الثامن قوية حولت من نظر إليه الناس باعتباره أسدا يحتقر الجميع إلي قطة ضعيفة تستجدي السلامة – وإن تمظهر بالقوة الكاذبة”
غير أن الطموحات الكبيرة التي سجلها الانقلابيون على هوامش مشروعهم التغييري تبخرت بقوة وفي أحسن الأحوال لم تعد أكثر من ذكريات جميلة عن محاولة قوية لإدالة النظام الديكتاتوري.
وفي ظل دوامة متواصلة من الفعل السياسي والانتخابات والحراك والأزمات بات جليا أن المؤسسة العسكرية والسياسية التي صنعها ولد الطايع وتولت حراسته لسنوات لا تزال هي المسيطر الفعلي على الوضع السياسي في البلد “وبعد مرور تسع من السنين يمكن أن أقول لقد كان ذلك الانقلاب “طلقة مدفعية” جريئة وشجاعة أعلنت بداية عهد جديد لكنه لم يخل بعد من العسكر…ولعل في الثورات الشبابية السلمية الحالية بديلا عن المدافع والدبابات” يضيف الصحفي حمود ولد الفاضل
بين الثورات والانقلابات تبقى ذكرى 8/9 حدثا محفورا في ذاكرة المؤسستين السياسية والعسكرية في البلاد، فإذا كانت المؤسسة العسكرية ” هي ” صمام الأمان” فلا تزال أيضا هي ” المنتج الأوحد للحكام في موريتانيا
المصدر:السراح بتصرف…
رحم الله الموتى….واطال الله عمرالبقيه